العراق تايمز: كتب عارف معروف
في اجواء الحماسة للانتصارات التي يحققها الجيش والحشد الشعبي على داعش ومن يساندها ، تتسرب ، او تنشر بشكل ، عفوي او مقصود ،على مواقع التواصل الاجتماعي ، والفيس بوك خصوصا ، صور وافلام عن ممارسات قتل وتعذيب، يزعم ناشروها ، انها حصلت في تكريت او المناطق المحررة من محافظة صلاح الدين ، ويجدون التسويغ المناسب لها في روح الثأر لشهداء سبايكر والرد على ما اقترفته وتقترفه داعش ومن يساندها من جرائم ،وكان اخرها الفديو الذي يصور الضرب في جسد شخص ميت او مشرف على الموت والذي يقال انه لابراهيم سبعاوي ، الشخص الذي وجه له الاتهام كمسؤول اول عن ارتكاب مجزرة سبايكر . وقد اعاد نشره البعض ، بالرغم من الحذف المتكرر ، بدعوى انه ينتصر للضحايا ويشفي صدور ذويهم .وبعنوان مثير " تعذيب ابراهيم سبعاوي "!!
ثمة اسماء ، باتت معروفه ، على شبكة التواصل الاجتماعي ، امتهنت ، تقريبا ، منذ فترة ليست بالقصيرة ، مهمة الضرب على الوتر الطائفي ، والتحريض على الوحده العراقية والدعوه الى الانتقام والثار ، لا من داعش او التكفيريين بل من مكونات اجتماعية محدده وبلغة عدائية ومبتذله ، وقد وجدت ، فيما حصل اخيرا ، من انقلاب في ميزان القوى بين داعش والعراقيين ، وهو ماينبغي دعمه ومساندته والالتفاف حوله من الجميع ، متنفسا لبث ما يمكن ان يكون وبالا على هذه الانتصارات واسفينا لشق اي بادرة الى الوحدة في وجه داعش وداعميها وذريعة ، لاحقا ، للتدخلات الاقليمية والدولية .
و من ضمن هذه الاسماء، اشخاص ممن عملوا في اجهزة اعلام صدام ، ولم يعرف عنهم ، سابقا ، موقف معارض او حتى منتقد ، لاي من ممارسات النظام المقبور ، ان لم يكنوا من "هتافة " القائد الضرورة .
ومن بينهم ، اعلامي ، عمل بنشاط ومثابرة ، في الاعلام الخليجي ، لسنوات ، بالضد من ايران والقوى المتعاونه معها في العراق ، نراه هذه الايام وقد انقلب ، 180 درجة ، في نصرة ايران وقاسم سليماني ، وراح ينشر الصور والتعليقات على موقعه في الفيس بوك ، مؤيدا بحماسة بالغة ، حكاية " رامبو العراق "، ومتابعا صور قاسم سليماني في ارض المعركة ، بابتهالات ، لايمكن ان تكون غايتها نزيهة او عفوية .!
وينشر هؤلاء ، بشكل يومي ، ويماشيهم في هذه الحماسة شباب ، اخرون ، لاشك في صدق نواياهم وعفوية سلوكهم لكنهم وياللاسف يفتقدون الى الافق والعمق المعرفي المناسب ، صور "بطل " عراقي يحمل سلاحا ناريا رامبويا ، ولكنه يحمل ايضا ، فأسا ، تبدو مرهفة ، ومعها التعليق الذي شاع هذه الايام " الاّ طحين " والمقصود ان هذا البطل سيطحن الدواعش طحنا ، وهذه غاية مرحب بها على اوسع نطاق شعبي ، لكن ايحاءات الصورة تستثير تداعيات سلبية وربما مضادة ، فالفأس او الطبر، يذكر العراقيين ، جميعا ، بابو طبر ، والجرائم المشبوهة التي راح ضحيتها العديد من العراقيين خلال السبعينات والتي شاعت ايضا الشكوك حول ان مصدرها النظام المقبور وصدام حسن بالذات ، هذا من جانب ، ومن جانب آخر فانها "طبر" ، وليست مجرفة لكي نقول انه سيدفن قتلاه وهو ما يعطيه صورة فارس شهم ونبيل ، بل انه سيقّطع اوصال قتلاه، وهذا ايحاء بالغ السلبية ، يؤكد طابع آخر غير البطولة . ناهيك عن ان امر المعركة مع الارهاب هي معركة الشعب العراقي كله من اجل استعادة امنه ووحدته وحياته السوية وليست معركة بطولات فردية معلقه بشخص هائل القوة او واسع الحيله ، سواء كان جهاد الجابري او فاضل برواري او رامبو العراقي ،واذا كان المراد هو حفز روح البطولة والاندفاع وتقديم نموذج للاحتذاء لشباب الحشد الشعبي والقوات المسلحه فهناك ابطال ومضحين كثر، ضمن قوات الحشد الشعبي والجيش ، يستشهدون ، يوميا ، ويمكن لاعلام جاد ومسؤول ان يستمد منهم امثله لا تنتهي على الشجاعة و البطولة والتضحية . ثم ان التعويل على بطل فردي يمكن ان تكون اثاره شديدة الاحباط على الجمهور اذا ما قتل هذا البطل في ساحة المعركة او اسر وهو امر وارد في ساحة قتال .عكس التشديد على روح القتال الشعبي بالضد من عدو مشترك يهدد الارض والعرض.
ان من شان اية ممارسات غير مسؤولة تستخف بمشاعر الانسانية وتقدم مادة موثقة عن مثل هذه الممارسات ، بغض النظر عن النوايا ، ان تصبح ذريعة ممتازة ، لدعوات التدخل الاقليمي والدولي ، التي نرى انها انطلقت وباتت محمومة بالفعل ، فقد تعالت اصوات جهات سياسية ودينية واعلامية ودولية الى التدخل ، سواء في تكريت او الموصل وبات التحذير من ارتكاب "المليشيات" لفضائع اذا ما شاركت في تحرير الموصل يجد اذانا صاغية ومقبولية ، ناهيك عن ان الحديث عن ان الطرف الاخر لايقل اجراما وفضاعة عن داعش بات يجد له مادة خصبة ومن الغباء الاستخفاف ، بكل ذلك وبقدرة الاعلام المعادي على الحشد والاستنفار اذا ما توفرت له المادة الواقعية التي يمكن ان يبني عليها ويهول من حقيقها : كتب " بيتر ماس في موقع التحريات الصحفية الامريكي " The intercept" يوم 15 من الشهر الجاري وتحت عنوان " الفضائع ترتكب من قبل القوات العراقية المدعومه امريكيا ، من جديد" ان جيمس ميك ، صحفي التحريات ، اماط اللثام ، مؤخرا ، عن ارتكاب القوات العراقية المدعومه امريكيا ، لفضائع تشبه ما ترتكبه " داعش " وانه استمد معظم مادته من صور وافلام فيديو مصّوره باجهزة الموبايل صوّرت من قبل مقاتلين عراقيين نشروها ، على سبيل التباهي ، على مواقع التواصل الاجتماعي ! واستنادا الى الذريعة نفسها ، هاهو الجنرال بترايوس ، الرئيس السابق لوكالة الاستخبارات الامريكية يصرح لصحيفة "واشنطون بوست "بان ميليشيات الحشد الشعبي اخطر من داعش نفسها على المدى البعيد وانها تقتل وتهجر المدنيين السنه .
لايقّدر البعض ، الاهمية الحاسمة للصورة وتوظيفها في الاعلام الحالي ، وامكانيتها المذهلة على التاثير في مشاعر الناس وحشدهم وفقا للاتجاهات المطلوبه ، ذلك انها تخاطب اللاشعور في الانسان وتستدعي تعاطفه الشديد او رفضه العنيف ، وثمة صور وفديوهات اثرت تاثيرا هائلا في مواقف الناس وقلبتها رأسا على عقب. ان الناس ، في الغالب وبصورة لا شعورية يتعاطفون مع الضحية ، بفعل الية التقمص ، ورؤية شخص عاجز او مدمى يقوم بضربه حتى الموت اشخاص مسيطرون ستجعل هذا الشخص موضوعا لتعاطف المتلقي ، بغض النظر عن حقيقة هذا الشخص وسيرته وماضيه وفيما اذا كان مجرما ام لا !
ثمة بعض الامثلة الملموسة التي شهدها تاريخنا العراقي المعاصر : تعرض الوطنيون واليساريون العراقيون ، في نهاية الخمسينات من القرن الماضي ، لحملة تصفيات واغتيالات شرسة ذهب ضحيتها العشرات ، وقيل المئات ، ، تركزت في مدينة الموصل ، ورغم ان قوى معينه كانت تقف خلف هذه الاحداث لكنها ماكانت لتقر بضلوعها في ذلك ، وبالضد من هذا التاكتيك فقد كان رد جمهور القوى اليسارية استعراضيا واندفع البعض من مؤيديها الى اعمال انتقامية كان من السهل تصويرها وادانتها كمجازر وانتهاكات لا انسانية . لقد وظفت ، من قبل الاعلام المعادي المنظم ، يومذاك، رغم ان ضحاياها يعدون على اصابع اليد ، بشكل جيد ، ونجحت في تحويل الضحية الى جلاد ، فقد خسر التيار الوطني اليساري تعاطف البعض من حلفائه وتحولت قيادة السلطة الوطنية ، يومذاك ، من داعم الى منتقد ومحرّض ضدهم ،وبقيت لعنة السحل ومجازر كركوك والموصل ، لصيقة بهذه القوى وميدانا للتشنيع على ممارستها السياسية واستخدمت ذريعة لمطاردتها واطلاق دعوات الابادة ضدها ، رغم انها كانت الضحية ، في حقيقة الامر !
وعلى الضد من ذلك ، فقد ارتكب نظام صدام حسين ، خلال ثلاثة عقود، ما يشيب له الولدان ، حقا ، من انتهاكات شنيعة بحق الانسان والانسانيه ، لكنه كان ماكرا في اخفاء الادلة على هذه الانتهاكات وتغليف معظمها بثوب قانوني وشرعي عبر " قوانين " غاية في التعسف ومحاكم غاية في الصورية ، لقد كان يؤكد على مراعاة هذه الشكلية لكي يفلت من تهمة الانتهاكات الصارخة والتعذيب ، ولكن الافلام القليلة التي صورت لعمليات قتل وتعذيب للضحايا من قبل اجهزته ، والتي صّورت اصلا لغرض بث الرعب بين المواطنين والانصار ، سرعان ما استخدمت كأدله دامغه ضده. ان "الفيس بوك "، يشهد هذه الايام ، فديوهات تحمل عنوان " التعذيب " على سبيل الفخر دون ان يدرك واضعوها انها يمكن ان تستخدم ضدهم كادلة موثقة عن جرائم حرب !!
اننا نهيب بقادة الحشد الشعبي والقوى العشائرية الداعمه للجيش والمقاتله ضد الارهاب وقيادة القوات المسلحة ، ان ينتبهوا الى الضرر الوخيم الذي يمكن ان تتسبب به مثل هذه التسريبات والتصرفات العشوائية ، وهي في الغالب فردية ، ويمنعوا وقوع الانتهاكات وتصويرها للتفاخر بها ، كما نهيب بالجميع الانتباه الى ما يمكن ان يحصل من القوى التي تعمل في الخفاء على استدراج شباب الحشد الى مثل هذا الامر واطلاق دعوات ظاهرها حلو وباطنها مغرض لغرض جلب النقمة على قوى الحشد الشعبي والتعبئة المضادة اعلاميا ونفسيا بما يهيء ويقدم الذريعة للقوى االاجنبية للتدخل العسكري واجهاض ما تحقق من نصر وهو في المهد.لتعزيز صورة الحشد الشعبي كرد فعل وطني مسؤول معادي للارهاب يمكن ان يحمل في ثناياه وافقه وحدة العراقيين وتلاحمهم .
|