في بلاد المفخخات والعجائب، المظاهرات والانسحابات، وامبراطورية الوكالات، لم يعد أي شيء يثير الاستغراب، فهدر المليارات بعقود غير رصينة، وغير استراتيجية وأخرى وهمية دفعت بالمراقبين إلى وضعنا في صدر قوائم الفساد في العالم، المفخخات لم تترك لنا فرصة غير التأقلم معها، ميزانيتنا التفجيرية تفوقت على ميزانيات دول يفوق عدد نفوسها 300 مليون انسان (اندونيسيا مثالاً)، لا نعرف كيف ستتناهبها دفاتر الحسابات والعقود ومقاولات "احفر وطم".
في هذه البلاد طلع علينا علي العلاق الأمين العام لمجلس الوزراء بقرار يربط عملية ترويج معاملات المواطنين كافة بطلب إرفاق براءة الذمة من ديوان استهلاك الطاقة الكهربائية ضمن المستمسكات المطلوبة لترويج المعاملات..!
لسنا بالضد من الجوهر الذي يستند إليه القرار، والذي يقضي بضرورة ان يسدد المواطنون ماعليهم من مستحقات للدولة السوية في تأدية السلطات لمهامها الدستورية، أما في دولتنا حيث الارباك واللغط والفساد والتداخل والتجاوزات، فصدور مثل هذا القرار يفتقد إلى دراسة تنفيذ واقعية لجوهره، أولاً لجهة التفاوت في الاستهلاك وخط الفقر وبقاء تطوير الطاقة الكهربائية سلحفاتياً، فالتحسن الطفيف في وصول الكهرباء لا يعني نهاية أزمة الكهرباء والفساد المستشري فيها، ومعالجة أمر تسديد أجور الكهرباء لا يوجب ربطها الاستفزازي للغالبية الفقيرة من المستهلكين من عدم ترويج معاملاتها دون براءة الذمة المطلوبة، فهذا يضيف أعباء جديدة على المواطن، ليس ممن لم يلتزم بدفع الأجور، بل حتى الملتزم بتسديدها، مضاف الى اننا في دولة الادارة "العصملية" بطريقة ترويج المعاملات، وهذا القرار سيضيف "عصملية" جديدة إلى غبار الدوائر الحكومية.
كان يمكن لهذا القرار أن يكون مدروساً لو أخذ تقسيماً صحيحاً لمستويات الاستهلاك والتسديد فخط الفقر تسكن دونه الغالبية التي لابد ان تعامل في هذا القرار بإعفائها من التسديد أو تخفيضه، كما يمكن للقراراللجوء إلى قطع التيار الكهربائي عن المستهلك صاحب الدخل المقبول بعد إنذاره، ومثل هذا الاجراء تتعامل به غالبية دول العالم حتى المتخلف منها.
والسؤال الملح هنا هو، لماذا كل هذا الحزم المتعجل في التعامل مع مواطن هذه البلاد المغلوب على أمره؟ في وقت تتم فيه صفقات فساد كبرى، وشرعنة لسراق المال العام دون أن يتخذ العلاق، ولا أمانته أية إجراءات تفعيلية لاسترداد أموال الشعب.
العالم