كنت قد أشرت في مقالتي السابقة إلى سلوك الغربيين في مداعبة الموتى وأحيانا الأحياء في شواهد قبورهم. كان الفنان والأديب الاشتراكي الثائر، ويليام موريس، قد ترك ثروة بالغة وخالدة من الرسوم والأشعار والقصص. وهذا ما حدا بصديقه برنارد شو إلى تأبينه بهذه الكلمات يخاطب فيها المشاهد «هذا رجل لن تفقده بموته، ولكنك تفقده عند موتك أنت»! الحقيقة أن ما يخيفني مرارا من الموت أنه سيفقدني صحبة كل هؤلاء العباقرة وروائعهم. وعلى نهجهما الاشتراكي والتقدمي، سار الرسام والشاعر الإنجليزي ويليام بليك. وكان من الطبيعي له أن يمقت الرسام المحافظ رينولدز الذي اشتهر بالتملق للسلطة حتى عينوه رئيسا للأكاديمية الملكية. ما إن سمع ويليام بليك بموته حتى كتب يقترح نصب شاهد لقبره يحمل هذين البيتين:
«انظر أيها القارئ لقبر هذا الفيلسوف لقد ولد مغفلا تماما، ومات وغدا تماما»!
وكان اللورد بيتر روبرتسون يتعاطى نظم الشعر ويجود ببعض القصائد الركيكة التي أزعجت الكثير من الأدباء. كان منهم الروائي الشهير وولتر سكوت. لم يتردد في كتابة هذا الشاهد لقبر سمو اللورد المحترم حالما سمع بموته: «هنا يرقد اللورد الورقي لورد بيتر. لقد كسر شرائع الله، وكسر أحكام الإنسان، وكسر أوزان الشعر». وكان الأديب الساخر تشسترتن من الأدباء الغامضين، يكتب كل ما ينقض بعضه البعض بما حير الآخرين في سبر أفكاره. وعندما رحل إلى العالم الآخر كتب الشاعر إي. لوكس هذا الشاهد لقبره:
«مسكين يا تشسترتن! لقد انتهت أيامك. والآن سيكشف الرب حقيقة أفكارك»!
واستغل المصلح الديني صموئيل ووزلي، ممات المفكر والأديب الإنجليزي صموئيل بتلر ليقول فيه هذه المرثاة ويعبر فيها عن هذه الظاهرة الأبدية، وهي تجاهل السلطات والمجتمع لمعاناة الأدباء والفنانين حتى يدركهم الموت. قال:
عندما كان بتلر تعيسا محتاجا في قيد الحياة لم يتفضل عليه لورد كريم بوجبة عشاء وبعد أن أماته الجوع وتحول إلى تراب نصبوا له تمثالا ضخما من المرمر وتجلى فيه مصير هذا الشاعر للعيان سألهم قطعة خبز وأعطوه الآن قطعة مرمر!
|