حالة غيظ ديمقراطي حادة

سبعة وأربعون من أعضاء مجلس الشيوخ الأميركي، من الجمهوريين أرسلوا خطابا إلى النظام الإيراني.. ترى، لمن في النظام الإيراني؟ لنظرائهم في مجلس الشيوخ الإيراني، أم للمرشد العام، أم لرئيس الجمهورية، أم للحرس الثوري..؟
قالوا في خطابهم: «إن الرئيس القادم باستطاعته إلغاء أي اتفاق يعقده أوباما مع الجانب الإيراني بخصوص السياسة الإيرانية النووية، وإنهم لن يعتبروا أي اتفاق ملزما لهم إذا لم يصوت الكونغرس بالموافقة عليه». 
لن أورد هنا الآراء الجارحة التي تصف هذا الإجراء حتى من أصحاب التوجهات المحافظة، كما أني لن أصفه بالوصف الذي يليق به لأسباب ديمقراطية بحتة. كيف أناقش أمرا خاصا بالديمقراطية الأميركية، بينما أنا كمواطن من العالم الثالث ما زلت طالبا في السنة الأولى بمدرسة الديمقراطية الابتدائية. ومع ذلك أستطيع فقط أن أبدي دهشتي وصدمتي الكبيرة كشخص مسحور بالحضارة الأميركية والديمقراطية في بداية الصف. غير أني بعد طول تفكير استطعت تشخيص الحالة بأنها حالة غيظ ديمقراطي جمهوري. وأن هذا الغيظ عند هؤلاء السادة شل تفكيرهم وأوقف عقولهم عن العمل. هؤلاء الناس الذين اختارهم ناخبوهم للدفاع عن مصلحة الشعب الأميركي، ترى.. أي مصلحة تتحقق للشعب الأميركي بإرسال هذا الخطاب للحكومة الإيرانية؟ أنا أفهم أن يتم إرسال هذا الخطاب للسيد أوباما (احترس يا سيد أوباما.. إذا لم تحصل على موافقة الكونغرس على أي اتفاق تصل إليه مع الإيرانيين، فلن نعترف به عندما نصل نحن إلى الحكم).
ماذا كان رد الفعل الذي يتوقعونه من إيران؟ أن يقول الوفد الإيراني في جلسة المفاوضات التالية لوصول هذا الخطاب إليهم. أيها السادة لدينا من الأسباب ما يدفعنا إلى الاعتقاد بأننا في حالة وصولنا إلى اتفاق معكم، فلن يحترم الكونغرس هذا الاتفاق.. ولذلك نحن نقترح إيقاف هذه المباحثات إلى أن تتمكن حكومة أوباما من الاتفاق مع خصومه في الكونغرس على حل مرضٍ لكل الأطراف.. وفى هذا الصدد نحن نعلن عن استعدادنا لإرسال وفد إيراني إلى أميركا يصالحكم على بعض.. ونحل لكم المشكلة دي)
هذه حالة غيظ حادة ليس لها صلة بالديمقراطية أو بعلم السياسة أصلا، ولا حتى بالذوق الإنساني العام. هناك دوائر تستطيع أن تختلف فيها مع رئيسك، غير أن هناك دائرة ليس مسموحا لأحد أن يتخطاها، وهي أن تتكلم مع الخصوم في شأن ليس من شأنهم ولا من شأنك.
هذا هو ما أعرفه عن السياسة وهو ما تعلمناه في العالم الثالث.
إن هذه المرحلة من التاريخ تتطلب من الدول والشعوب والحكومات التي سبقتنا بأشواط كبيرة في طريق الحضارة، أن يعرفوا أننا نتعلم منهم وأنهم بمثابة الأساتذة لنا، على الأستاذ أن لا يستسلم لانفلات الأعصاب وأن يقاوم زحف الغيظ على عقله، لأننا نتعلم منكم.