التعليم في العراق بين كلاسيكية المناهج وغياب ثقافة المعلم ؟

 

لاشيء يفسد الأشياء مِثلُ رتابتها, مناهجنا التعليمية تقف في مكانها وترفض ان تتقدم خطوة الى الأمام وكأنها آثار تاريخية محاطة بهالة من التقديس ومغلفة كي لا يلمسها أحد ولا تكون عرضة للعوامل الطبيعية التي تفسدها هذا حال مناهجنا وكون المعلم هو نتاج طبيعي لمناهج كلاسيكية مغلفة ومعلبة وجاهزة فسيكون بلا شك هو أيضا معلم كلاسيكي لا يغادر هذه الدائرة التي خرج منها سلفا وعاد اليها فيما بعد يمارس نفس الرتابة . لكل منظمة في الحياة مُدخلات وعمليات ومخرجات ومن ثم تغذية عكسية تساهم هذه التغذية العكسية في إدراك مَواطِن الخلل السابقة والعمل على معالجتها هذا سياق متبع عالميا في كل وسائل الإنتاج سواء كانت هذه الوسائل او المصانع تقدم منتج او خدمة او فكرة ,في العراق يختلف الأمر تماما فالرتابة والسكون هي منهج غالب في المؤسسات التربوية فالمناهج لا تكاد تتغير الا في طبعتها او إضافات طفيفة هنا وهناك غير مدروسة والمعلم أو المدرس لا يغادر طريقته او يحاول تحديثها من خلال الاطلاع على المناهج التربوية الحديثة في العالم ومواكبة التطور الحاصل في المناهج التربوية , إضافة الى وجود معلمين ومدرسين يمارسون انفعالاتهم النفسية وانطباعاتهم الأولية عن الأشياء وينزلونها كمناهج وسلوكيات ضد التلاميذ كما حصل في الفترة الأخيرة من تداول مقطع فيديو عبر مواقع التواصل الاجتماعي لمعلم يمارس صورة سادية إرهابية بحق تلاميذ صغار في جنوب العراق (ميسان) نعم هناك بعض المعلمين الجيدين القادرين على تطوير أنفسهم من خلال الاطلاع على المناهج التربوية الحديثة لكننا نحتاج الى سن قوانين ترسم لنا المسار العام للعملية التربوية من خلال تحديث المناهج وإدخال المعلمين والمدرسين في دورات تنموية لتقوية مهاراتهم وتحفيزهم نحو الإبداع كما يجب على الحكومة ان تجعل مهنة التعليم مهنة محترمة من خلال تخصيص الدعم اللازم لهذه الشريحة سواء دعما ماليا او معنويا , كما نلاحظ رداءة البنايات المدرسية وتقادمها إضافة الى بعض المدارس التي لازالت بيوت من طين او كرفانات إضافة الى الدوام الثلاثي في المدرسة ذاتها وتلاحظ الصف الواحد يغص بالتلاميذ وهذه مهمة شاقة بالنسبة للمعلم يتعذر عليه ان يمارس العمل التربوي والتعليمي لذا فان المشكلة متشظية وذات أبعاد متعددة وهي بحاجة الى تضافر الجهود ورصد موازنات كبيرة للإسراع في بناء مدارس وفق الطراز الحديث مجهزة بمختبرات حديثة ووسائل تدفئة وتبريد بدلا من رصد الموازنات لبناء مساجد عملاقة خاوية وخالية من المصلين ! دول العالم الآن تجري تغييرات جذرية شاملة دون ان تواجه مشاكل كبيرة  لأنها اعتادت التغيير الذي يريده الله للإنسان (ان الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ) ففي فنلندا مثلا الدولة الأوربية أجرت حزمة من الإصلاحات التعليمية منها (لا يسمح للشخص بالعمل كمدرس دون الحصول على درجة الماجستير وتلقي تدريب عالي الجودة. فأن تصبح مدرسا فى فنلندا بات أصعب من أن تصبح طبيبا أو مهندسا...)) لذلك نحن بحاجة الى إصلاح جذري شامل يخلق لنا جيل من المعلمين قادرين على تحويل المدخلات الى مخرجات نافعة للبيئة التعليمية والمجتمع بصورة عامة كما نحن بحاجة الى دور حقيقي للأسرة لخلق التكامل في التربية والتعليم, لان الطفل يمثل اللبنة الأولى في بناء اي مجتمع متماسك بحبال وسلاسل المعرفة بدلا من خيوط الخرافة والجهل والفقر والمرض التي هي نتاج طبيعي لغياب دور المؤسسة التعليمية والتربوية في اي مجتمع .