زيارات قد تنفعنا..!

 

   في التزاور بين الأهل والأحبة والأصدقاء، أثر بليغ في تعميق الآصرة التي تربط بعضهم ببعض، بل هو -التزاور- فعال ومجدٍ حتى مع الذين بيننا وبينهم عداوة، فالزيارة تطوي فيما تطويه ضغائن وأحقادا ومواقف ووجهات نظر، قد تكون متراكمة من أزمان ماضية بين المتزاورين، ومؤكد أن أغلبنا لمس جدواها مع صديق أو قريب او حتى عدو، في قلب النفور الى تجاذب والأحقاد الى مودة، بمجرد لقاء في زيارة "فاذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم".  وزيارة العدو في أغلب الأحيان تسبقها مخاوف.. وترافقها حزازيات غير مرغوب بها، لاسيما أن بعضنا (خشمه يابس) إذ تدخل اعتبارات وحسابات تلجمنا وتحد من جرأتنا في المبادرة بالخطوة الأولى، تجاه طي صفحة الماضي مع عدونا، والبدء مجددا (من راس السطر).. وهذا يتطلب حتما الوقوف بنقطة عند نهاية السطر السابق. ولكن لو امتثلنا لقول الإمام علي عليه السلام في بيت من قصيدته الزينبية، لوجدنا أننا موهومون في ظننا وتصورنا، إذ يقول عليه السلام:

             والق عدوك بالتحية لاتكن

                                منه زمانك خائفا تترقب

وفي هذا بعد نظر وكياسة ورؤية تحليلية عميقة لما بين النفوس المتباعدة والمتخاصمة، إذ أن الذهاب الى العدو والبدء بتحيته يعقب كثيرا من الإيجابيات، ويقلب الموازين الى حيث الصالح والفالح في العلاقات بين الناس. ولم يفت إمامنا -حاشاه وهو سيد البلغاء- أن يحذرنا من بعض الأعداء، إذ قد يفاجئوننا بما لم يكن بالحسبان فقال عليه السلام:

            واحذره يوما إن أتى لك باسما

                              فالليث يبدو نابه إذ يغضب

 وإن كانت نياتنا سليمة في رسم خطى جديدة مع عدونا تتجه صوب السلم والسلام والوئام، فقد يكون المقابل لايحمل ذات النيات، ويكن في صدره غيظا دفينا لم تمحه السنون، ولن تبدله صروف الدهر وتقلباته، فيكون إذاك قنبلة موقوتة تدمرنا يوما ما إذا ماتعايشنا معه في آن واحد وآنية واحدة، وقد حذرنا إمامنا عليه السلام من أشخاص كهؤلاء فقال:

            إن الحقود وإن تقادم عهده

                             فالحقد باقٍ في الصدور مغيب

وبين الرجاء في تبدل العدو الى ولي حميم.. والتخوف من مكائده في مستقبل الأيام.. تكمن الحنكة والفراسة في تعاملنا معه، واستدراجه -لاخداعه- الى محلات اشتغال المحبة والوئام فيما يربطنا به على وجه المعمورة، والابتعاد عن كل مايذكي ويضرم نار الحقد المغيبة في صدره من جديد.

 مادعاني الى استذكار التزاور وفضائله.. والعدو والأمل في التعايش معه من دون ضرر يصيبنا او شرر يلوحنا منه، هو عديد الزيارات التي قام ويقوم بها رؤساء مجالس البلد الثلاث ونوابهم، وكذلك وزير خارجيتنا الى دول منها إقليمية ومنها أبعد من ذلك، لكنها قريبة جدا في تأثيرها المباشر وأثرها اللاحق على الساحة الداخلية في عراقنا. فلحكومات بعض البلدان تاريخ مشرف مع العراق، ومواقف إيجابية تشهد لها تجارب كثيرة في سراء البلاد وضرائها، كما سجلت في سفر الأجيال صفحات بيضا لم تشبها شائبة، ولن تشوبها مستقبلا مكائد او (ضمايم سود).. فيما هناك حكومات بلدان أخرى.. تمتلك ماضيا أسود حالكا مع العراق حكومة وشعبا، دفعتها الى ذلك معتقدات طائفية وعرقية وإثنية، من الصعب عليها التحلل من كبولها بعد أن قيدتها عقودا طويلة، وبذا يكون مشروع الصداقة معها محفوفا بالمخاطر.. وإن كان لابد من المجازفة فتوخي الحذر واجب.. والسير في الجانب الآمن خير وأبقى وأسلم، فالتعامل مع هؤلاء يقتضي وضع بيت إمامنا عليه السلام الآتي نصب الأعين:

             يريك من طرف اللسان حلاوة 

                          ويروغ منك كما يروغ الثعلب