تطورت فنون السرقة مع التطور الكبير الذي شهده الكون في العقد الأخير فبعد أن انحصرت في نقل ملكية الغير بصورة غير مشروعة أخذت منحى او مناحٍ جديدة منها سرقة المال العام وهي من أسهل السرقات لان الملكية فيها موزعة وبالتالي فان المالك – وهو الشعب – تنازل عن مطالباته بحقه بعد سلسلة من الترويض مارسها الحاكم على الروح الوطنية حتى أصبحت سلسة سهلة القياد . وبطبيعة الحال فان اللصوص وعبر مراحل من – النضوج – أصبحوا يمتلكون من الخبرات ما يؤهلهم على تمرير سرقاتهم بشكل محترف يبعث على إثارة الكثير من الدهشة والإعجاب في بعض الأحيان ومنها ما حصل في العراق قبل وبعد العام 2003 فعلى سبيل المثال أودع قائد الحملة الإيمانية وهو كبير اللصوص مدير الحملة الإيمانية سجن أبي غريب بعد ان ثبت تورطه بعملية سرقة واسعة النطاق من الأموال الكبيرة للشعب العراقي وهو يعاني الأمّرين من الحصار الجائر ومنها ما أخذه من الاموال احد مالكي الفضائيات الآن واستولى عليها خارج العراق لينقلها لحسابه الشخصي ثم ينبري – باشط اللسان – يتحدث عن الحقوق وعن المظلومين والأدهى من ذلك اننا نتابعه كأي – شريف – له الحق في ان يتحدث عن الجرح العراقي المستباح . ان امراً في غاية الروعة والإدهاش وموقفاً اتخذه أمير المؤمنين علي " عليه السلام " قبل ان يُبايع بالخلافة مكرهاً وهو اشتراطه على المبايعين ان يعيد آلية التقسيم ويسترد الأموال التي سبق ان تم توزيعها بشكل غير عادل – ولو زُوّجت بها النساء – كشرط لقبوله الخلافة وهذا ما اثار حفيظة غير المقتنعين بهذه العودة وتسبب في بعض الأحيان الى اندلاع الحرب بينه وبين معارضيه إما لصوص مرحلة ما بعد العام 2003 فاشهد انهم وضعوا قوانين جديدة للسرقة وأصبح اللص / الخبير متفضلاً حين يقبل منصباً كي يسرق الجمل بما حمل كما يقال على مرآى ومسمع من طوابير المؤسسات الرقابية التي تكتفي بغض النظر خشية ان تتهم بممارسة " حسد عيشه " إزاء ذلك المسؤول حتى إننا شهدنا تحولات لم تستطع حتى " مسوخ كافكاً الروائي العالمي الذي اشتهر باحالة شخصياته الى مسوخ" مماثلتها ليس على مستوى السرد الروائي بل على ارض الواقع فتحولت بقدرة قادر نشارة الخشب إلى شاي سيلاني وتحولت رؤوس التوليد العملاقة الى لعب أطفال وتحول تاريخ الصلاحية المنتهي الي تاريخ صالح للاستهلاك ب " جرة قلم " وليس مهماً بعد ذلك ان يتسمم المواطن ب " الزيوت الفاسدة او الحليب المتعفن او ان يأكل مع الطحين برادة الحديد والقائمة تطول . ان أفدح السرقات التي حصلت بعد العام 2003 هي الإقدام على سرقة أحلامنا حيث كنا نأمل بعد زوال الدكتاتورية وانقشاع غيوم التسلط ان نعيش الحياة الكريمة التي تتوفر فيها الكرامة قبل توفر الخدمات غير إننا لم نجد هذه ولا تلك فبعد ان دفعنا قوافل يصعب عدّها من الشهداء والضحايا على مذبح الحرية في مواجهة الاستبداد عدنا لندفع أضعاف هذا الثمن لمواجهة الإرهاب والتطرف والطائفية وليس بالامر الجديد علينا لكن ما كان يهّون علينا فداحة الأمر هو اننا نرى اهل الرأي من قادتنا هم الأكثر تصدياً وهم كذلك الاكثر تضرراً في عملية يبدو الانسجام فيها واضحاًَ ما بين النظرية والتطبيق غير ان هذا الامر لم يكن كذلك بعد التغيير فقد راينا تفاوتاً طبقياً فصلنا عنهم وأصبحت لهم " ابراج عاجية " كالتي كانت للجبابرة والطغاة وانهم لم يعودوا يقيمون وزناً لألم ومعاناة السواد الأعظم من الناس – وهنا لا اعني الجميع - بل على العكس تماماً صرنا نرى من يدافع بضراوة عمن ثبت فساده ليمنحه الاوسمة الرفيعة والدرجات العالية والاحتفاء به ومباركة حفلات الزفاف الباذخة بمئات الملايين من الدولارات دون ان تهتز حمّية النزاهة والرقابة والأمانة لتحرك الدعاوى ضده كما تفعلها الدول التي تحترم شعوبها وتفاتح " الانتربول " لاستقدامه هو ومن كان قبله وفتح الملفات حباً وكرامة وتادية للامانة والواجب لابناء هذا الشعب الذي يبدو انه ورث عن سيدنا إسماعيل ان يكون دائماً كبش الفداء بل والأدهى من ذلك ان يصبح الوزير الفاسد نزيهاً وحريصاً وأميناً ويتحول المواطن الذي يبحث عن إحقاق الحق الى مشاغب وباحث عن المتاعب .. الم اقل لكم انه زمن التحولات ؟؟
|