براءة ذمة كهربائية

 

تفتقي أيتها العبقرية الحكومية، أفيضي علينا المزيد من التماعاتك، أغمرينا بمزيد من البهجة الوطنية، نحن المتقلبون في نعيم الاستقرار العراقي، المتذمرون الجاحدون لسوابغ آلائك، السادرون في غينا، البطرون الذين (أستغفر القانون ودولته) ينتقدون الحكومة (دام ظلها الوارف على ربعها).

أما بعد سادتي، فالاجراءات الحكومية وروتينها المعقد ليست حكرا على العراق، ولا ينفرد العراق بالاستئثار بجمالها وروعتها وخفة وقعها على روح المواطن ونفسه، إلا أنني وبعد تجارب عديدة وفي بلدان مختلفة أستطيع القول بلا تردد ولا شك بأن الدوائر الحكومية العراقية باستثناء (بعضها القليل) هي الأسوأ والأردأ والأكثر إزدراء للإنسان وابتزازا له حتى أن المواطن لا يخرج من دوامة معاملة ما إلا وقد استفد أعصابه وكرامته ونقوده، باختصار المراجعات الرسمية في العراق (قلة قيمة) كما يقول الشوام (وتهزيق ومرمطة) كما يقول المصريون.

ولا أدري أي فطحل وأي نابغة ذلك الذي خرج على مجلس الوزراء باقتراح غاية في الاستهانة بالمواطن والاستخفاف به، ولم أشأ أن أستخدم كلمات أخرى حتى لا أنزلق إلى ما أسأل الله أن يعصمني منه من قلة الذوق والأدب.

فلقد وجهت (الأمانة العامة لمجلس الوزراء، الوزارات والجهات غير المرتبطة بوزارة والمحافظات كافة بتنفيذ قرار المجلس بعدم ترويج معاملات المواطنين من دون الحصول على براءة ذمة من ديون استهلاك الطاقة الكهربائية ضمن المستمسكات المطلوبة للمعاملات. وقد وجه بذلك الأمين العام لمجلس الوزراء علي العلاق شخصيا مبينا أن التوجيه جاء تنفيذا لقرار مجلس الوزراء رقم (119) لسنة 2013، والمتخذ في الجلسة الاعتيادية العاشرة من هذا العام والتي عقدت، يوم الثلاثاء (19 آذار 2013) "، مشيرا إلى أن "هذا الإجراء يأتي لحث مستهلكي الطاقة الكهربائية على دفع قيمة المبالغ الواجب تسديدها شهريا).

وبصراحة ان من يمرر هكذا قرار بلا شك هو في حالة انفصال عن الواقع، بل وانه يضر نفسه من حيث يظن أنه ينفعها. فمن المتعارف أن لا سياسي عاقلا يفرض قيودا ما ومن أي شكل أو يمرر ضرائب قبيل حملة انتخابية.

وليس هذا المهم فما الفائدة التي سيجنيها المواطن من فوز أو خسارة رموز هذه الحكومة في الانتخابات المقبلة أو فوز غيرهم من المعروضين في سوق السياسة العراقية؟ لا شيء.

المهم هو أننا نعاني من دوائرنا والفساد المقرف فيها ومن قضية المستمسكات الأربعة التي لا أقل من أن نصفها بأنها لا داعي لها.

ان هذه الاشتراطات الحكومية الجديدة هي باب يُفتح لمزيد من الفساد والتعقيد لمعاملات المواطنين واضافة معكر لحياة نكدة في هذا البلد المبتلى.

ثم ان الحديث عن براءة ذمة (كهربائية) مضحك مبكٍ، أين الكهرباء التي تطالبون بسداد قوائمها؟ لتكن خدماتكم متكاملة وطالبوا بعد تكاملها، ولكن مطالبة بهذا الشكل لهذا المستوى من الخدمات هو استفزاز حقيقي.

وما أروع أن تسكن في محافظة وتراجع دائرة في محافظة أخرى وتكون بحاجة (لصحة صدور براءة الذمة الكهربائية)، خذ شهرا عندها أو شهرين كافيين لسقوط صلاحية أوراق أخرى مطلوبة في المعاملة، وارفع رأسك فأنت عراقي، ارفع رأسك وادع (لو تهديها لو تخفيها).

وهكذا ووفقا لمنطق البراءات؛ نحن نطلب من أي مسؤول حكومي براءة ذمة قبل أن يوجه أي خطاب أو أن يصدر أي قرار، براءة ذمة مالية وبراءة ذمة أخلاقية وبراءة ذمة إدارية.

دوائركم المملة لا تحتاج المزيد من التعقيد أيها السادة فتراجعوا عن هذا القرار البائس.