عنوان صحفي يكفي 26

 

لا يمكن تصور ديمقراطية حقيقية بدون صحافة حرة

ولا يمكن أن تؤدي السياسة عموما ، والسلطات بكل انواعها واجباتها بدون اعلام ناقد بموضوعية ، ومتابعة صحفية نزيهة ، تكمل سلطة البرلمان الرقابية والمنظمات المدنية  ليتحقق بمجموعها في النهاية رقابة شعبية تهدف الى مراقبة الاداء  الحكومي ، ومحاربة الفساد بكل اشكاله ، والظواهر التي تضر بالوطن والمواطن .

ومن بين ما توصف به الصحافة انها مهنة كشف الاسرار ، والاستقصاء ، وتتبع ما يدور في كواليس السياسة ومطابخ صنع القرار من خفايا وأسرار مهمة  ، ولكن بشرط توفر سلامة النية ، وصدق الهدف ، وليس التسقيط ، والتشهير ، والأمورالشخصية التي ليست لها علاقة بالعمل العام   .

وفي إطار هذه المهمة تحضر في الذهن فضيحة ووترغيت التي كشفتها صحيفة واشنطن بوست الامريكية وتوجت نتيجتها باستقالة الرئيس الامريكي  نيكسون عام 1974 ، وفضيحة سجن ابو غريب عام 2004 التي سلطت الضوء على الانتهاكات الصارخة  التي قام بها  جنود من قوات الاحتلال الامريكي  ضد سجناء عراقيين .

والعلاقة بين الصحافة والاعلام والسياسة علاقة تكاملية ، وليست علاقة تضاد ، كما يتصورها البعض من خلال ما تكشفه الصحافة  وتنشره الى العلن  ، او عندما تضيق السياسة ذرعا بالصحافة عندما تكشف خفاياها ، وأحدهما يفضي على الأخر صفات توحي بطبيعة تلك العلاقة التكاملية بينهما ، وتجعل أحدهما لا يمكن أن يستغني عن الاخر ….

وقد شبه الكاتب الصحفي  محمد حسنين هيكل العلاقة بين الصحافة والسياسة كالعلاقة بين النار والفراشات والمركب والماء ، وهي مثل ملح الطعام ضروري ، ولكن زيادته تنفر الطاعم وتفسد المطعوم .

وعلى الصحفي أن لا يضخم دوره ، أكثر مما يجب ، خاصة عندما ينجح في كشف قضية ما ، فيتصور أنه أكبر من الحكومة ، أو السلطات عموما ، وعندها ينتفي الهدف ، ويخرج عن اطار الرقابة وكشف الحقيقة ..

وفي غياب المعارضة البرلمانية، يصبح على الصحافة واجب الدخول الى ما يسميه المختصون بـ (الانفاق المظلمة) التي لم يصلها البرلمان ، لأي سبب كان ، أو يغض النظر عنها ، بسبب سيطرة حزب ما على الحكومة والبرلمان  مثلا ، أو بوجود المحاصصة ، وما الى ذلك من أسباب أخرى ، ولهذا تنشط  الصحافة في كشف تفاصيل لم تظهر الى العلن  تصاحب الحراك السياسي  والبرلماني حول قضية ما ، ولا  يقوم البرلمان بتسليط الضوء عليها ..

ويمكن وصف الصحافة مثل جهاز كشف الزلازل، الذي يبعث اشارات كهربائية ، بفعل تحرك الصخور تحت الارض ، تحس بها بعض الحيوانات ، وتهرب لتفادي المخاطر.. فالصحافة قد تتوقع حصول أشياء  بناء على معلومات ، أو تحليلات تنذر بوقوع شيء ما ، وتساعد في تفاديه ، او تقليل اضراره  في حالة وقوعه ، والكشف عن حقائقه وأسبابه ..

ومن هنا يصبح  فتح  الابواب امام الصحافة ليس منة عليها ، بقدر ماهو مفيد وضروري لمؤسسات الدولة  ، ولكن في الوقت نفسه ينبغي  على الصحفي الالتزام باخلاقيات المهنة في الحرص على توضيح الحقائق من خلال نقل الاخبار بنزاهة  وتحليلها بصدق وموضوعية بعيدا عن الاهواء والمصالح الذاتية.

 والحرية هي الارض الخصبة والقاعدة الصلبة التي تستند اليها الصحافة  في اداء مهمتها والمناخ الصحي الذي تزدهر فيه .

                    { { {

كلام مفيد :

الانتقاد قد لا يكون محببا ، ولكنه ضروري ، لأنه يقوم بنفس وظيفة الألم في جسم الانسان ، وينبهنا الى أمر غير صحي .. (تشرشل).