ظاهرة التجدد الأجتماعي ومشكلة القيم.



ظاهرة التجدد الأجتماعي من الظواهر الطبيعية في المجتمعات الحية التي لديها القابلية الطبيعية أن تتخذ موقعا متحركا إلى أمام في فرض القيم الأجتماعية والتمسك بها على أنها إفراز وجودي لا خشية منه ,ضاعت هذه الظاهرة بين كم من الأفكار والرؤى التي تختلط بها أو تشنرك معها بالمقولات أو تستند في جزء من عملها على شروط مشتركة ,وهذا العيب ناتج من النقص في الدراسات الأكاديمية المتخصصة التي تفرز وتفرق بين الظواهر والمفاهيم والمسميات 
التجدد الحضاري ببساطة هي ما تنتجه حركة الزمن طبيعيا من قيم إفرازية تعبر عن ذاتيات المجتمع وصورته السلوكية في رد فعلها للخارج والداخل ودون تدخل عناصر خارجية غير الزمن وتفاعلاته , فالتجدد يختلف عن التطور الأجتماعي لأن الأخير مجموعة نتاج منظومة متعددة الأوجه والتأثيرات التي يتعرض لها المجتمع وقد يخضع لها بأساليب غير طبيعية أو تحت ضغط عوامل أكثرها خارجي مؤثر , كما يخلفان أيضا أن التجدد الأجتماعي بطيء لكنه أصيل أما التطور فهو مظهري وسريع الأنتشار والظهور وأكثر تفاعلية مع المتبدلات لكنه عرضة دائما لإنتكاسات أو التغيرات لأنه عنصر مدفوع .
التجدد الأجتماعي بناء كلي وكامل داخل المنظومة الأجتماعية وقديكون بينيا خفيا وغير واضح لكن يمكن تلمس تأثيراته على المدى البعيد وهو عنصر مستلزم لزوم حقيقي مع الهوية الحضارية لكل مجتمع , مثلا التطور في أستخدام التقنيات الحديثة والتي تعصف بالمجتمعات المعاصرة وقد يعده البعض أنه نوع من أنواع التطور والتحديث في المجموعة العملية التي يتعاطى بها المجتمع داخليا وخارجيا لم يفرز أي نوع من أنواع التجدد الأجتماعي في القيم بل أفرز تبدلات وشكليات بالقيم السلوكية والتي تتعرض دوما للتغيير ,أما القيم الذاتية الأصيلة في المجتمع والتي لوحدها يمكن أن تحرك العوامل المجددة حضاريا بقيت بعيدة عن هذا التغيير والتبدل .
مثلا القيم الأخلاقية التي يجب أن تأخذ المدار الأول في كل تغيير حقيقي نجدها مع عالم التطور والتحديث قد تسببت بأضرار وأنتهاكات سلبية لم تتحدث وتتناسب مع هذه التغيرات الفوقية والسبب ليس لأنها متخلفة عن واقع متحرك ولكن لأن التبدلات الظاهرية والقيم المفرزة منها حملت معها قيم أخلاقية مستحدثة ومستجيبة للتبدلات التسريعة وقد تكون في تناقض حقيقي وجذري مع القيم الأجتماعية الطبيعة ومن الصعب إزاحتها لمجرد حصول التبدل , هذه الجزئية تسري على جميم القيم والروابط الأجتماعية .
من قوانين التجدد الأجتماعي مهما كانت التحولات عاصفة وإنقلابية وضاغطة أحيانا لا يمكنها أن تسرع في النمو الطبيعي للتجدد ما لم يصاب الأخير بالضرر والتشوه ,أما لو كانت العوامل الخارجية التي تأت بالتحولات بطيئة وتسير وفق المعدل الذي يقل عن التطور الطبيعي الزمني نجد أنن التجدد سيكون هو الأسرع وبالنتيجة أن قيم التجدد قيم شبه ثابتة في مسألة السيرورة والتكوين وهي نابعة أصلا من قيم تكوين المجتمع ذاته وتعبر عن حدود الهوية ولا تتنكر لحقيقة أنها إنعكاس للذات المجتمعية .
وأيضا أن التجدد شمولي وعام وتفصيلي يمتد لكل القيم أفقيا وعموديا ويبني بالطريق التراكمي وبموجب ما تفرزه ثقافة المجتمع وفهمه لحركة الزمن وبالتالي فالتجدد من خلال دراسته التفصيلية يعطي صورة أكثر واقعية وصدقا عن روح المجتمع وعن خطوط السيرورة المتوقعة والتي يمكن تأشير مدياتها العامة مستقبلا .
ومن القوانين والصور الضبطية المهمة هنا أن التجدد لا ينقطع ولا يتوقف على أتجاه واحد بل هو في حركة يومية نحو الأمام وطبعا بحدود السرعة الطبيعية والتي تتوقف في تحديدها على نمط القيم الأجتماعية السائدية ومباعث الصياغة الأصلية وأرتباطاتها بالدين أو المعرفة أو الثقافة , وهنا يصبح أمر القياس لمديات التجدد معتمدا على عوامل التكوين الأجتماعي الأساسية .
إن الأهتمام بظاهرة التجدد الأجتماعي وإيلاء هذه الدراسات البحثية والنظرية التركيز المناسب سوف يكشف لنا الكثير من القوانين الأجتماعية التي تتعلق ليس بالمجتمع ودراسته فحسب بل أيضا تتعلق بدراسة الأنماط الحضارية وتبدلاتها والعنصر الثقافي والفكري في المجتمع وتأثيراته وتأثراته والأهم من كل ذلك يكشف لنا هذا البحث عن صورة التبدل الحقيقي في العنصر الأجتماعي الرئيسي وهو الإنسان في تكوينه الأجتماعي ورسم هوية حقيقية لدورة وفاعلية هذا الدور في مشاركة عوامل التجدد وأرتباطه بالقوانين والمعطيات التي تصيغ وجه المجتمع وتفرز معطيات التطور والتحديث الناتجة عن التجدد لا تلك الناتجة مثلا عن الغزو الثقافي ومحاولات تجريد الهوية الذاتية تحت عناوين ومسميات كونية أو فئوية أو حتى حضارية .