أسباب الأزمة السياسية العراقية

 

بسم الله الرحمن الرحيم

انّ أحد أهم اسباب الأزمة السياسية في العراق هو عدم ايمان الأقلية ممثلة بسنة العراق، بحكم الأغلبية والتي تمثل ما يقارب 65% من مجموع سكان العراق، هذه الثقافة التي ورثها الأخوة من أبناء المذهب السني جاءت من تراكم قرون طويلة لأدبيات وسياسات الصقور الذين حكموا أبناء الشيعة في العراق بالحديد والنار، ابتداءا بالدولة الاموية والى الدولة العباسية ومرورا بالامبراطورية العثمانية والاحتلال البريطاني وحتى فترات الحكومات العراقية المسماة بالوطنية التي تشكلت بعد ثورة العشرين، والى سنة التحرير والتغيير الكبرى سنة 2003، تلك السنة التي ستكون بحق حدثا وعلامة تاريخية بارزة يؤرخ منها المؤرخين والكتاب والادباء في المستقبل القريب والبعيد. لقد تعامل الحاكم الجائر ببربرية وسادية على مر القرون مع شريحة تمثل الأغلبية من شعب العراق، تعامل معها على اعتبار انها درجة ثانية، ومطعونة في ولائها ومصداقيتها وانتمائها الى الوطن والدين، وغريبة عن الأرض والتأريخ، لقد أبعدت الدولة العثمانية أبناء المذهب الشيعي عن جميع مراكز السلطة والقوة في البلاد، ولم توفر لهم الفرصة في التعليم العالي والتمثيل الدبلوماسي، ولم تعطهم أي امتياز اقتصادي أو اجتماعي أو سياسي، وذلك بسبب الاختلاف المذهبي بين الحاكم والمحكوم، استمرت نفس السياسة بعد اندحار الدولة العثمانية في الحرب العالمية الأولى وبعد احتلال البريطانيين للعراق، تواصلت نفس سياسة التهميش والابعاد والاقصاء وذلك بسبب تصدي أبناء الجنوب والوسط للغزو البريطاني سنة 1914م عندما وطئ أرض العراق في منطقة رأس الخليج العربي في البصرة أول جندي بريطاني، حدثت معارك ضارية بين القوات البريطانية وقوات العشائر العراقية، كان أشهرها معركة كوت الزين التي أستشهد فيها الكثير من أبناء العراق وعلى رأسهم الشيخ شلال الفضل الوائلي شيخ عشائر الشرس في القرنة، بعد سقوط بغداد في آذار 1917 على يد الجنرال مود، استمرت مقاومة الشعب العراقي للبريطانيين وتمخضت هذه المقاومة عن اندلاع ثورة النجف ضد الاحتلال عام 1918م وكان المخطط لهذه الثورة رجال دين، تحت تنظيم جمعية النهضة الإسلامية، اما المنفذ أو الجناح العسكري فهم فرسان ابطال، لا يتجاوز عددهم اثناء مهاجمتهم دار الحكومة البريطانية بالنجف أكثر من (13) بطلا، دفعتهم غيرتهم العربية وحميتهم الإسلامية للقيام بهذا الهجوم وعلى اثر ذلك قتل مارشال - القائد الانكليزي- وآخرون، عندئذ هاج الانكليز ودفعوا أكثر من (45) الفا من الجنود لمهاجمة النجف عن طريق جبهة الكوفة، وحوصرت النجف (40 يوما)، وكان حصارا بشعا كما وصفه المؤرخون، اضطر النجفيون إلى اكل لحوم الحمير. بعد ما يقارب سنتين من تلك الاحداث انتفض أبناء الفرات الأوسط بثورة عارمة سنة 1920م ضد الإحتلال البريطاني تلك الثورة التي أسست لتحرير العراق واقامة حكومة وطنية ساهمت الى حد ما في منع الانكليز من تهنيد العراق، وكعقوبة للموقف المشرّف لشيعة العراق في الدفاع عن أرض العراق عمد البريطانيون الى عزلهم وابعادهم عن مراكز المسؤولية والقرار في الدولة العراقية. خمسة وخمسون وزارة شكلّت في العراق منذ سنة 1920م الى سنة 1968م لم يكن نصيب الشيعة فيها سوى عدد قليل جدا، ستة رؤساء شغلوا منصب رئيس الجمهورية من سنة 1958م والى سنة التحرير 2003م، لم يكن فيهم شيعيا واحدا، كانت نسبة تمثيل الشيعة في مجلس النواب العراقي في العهد الملكي هي مساوية لنسبة اليهود في البلاد، ومن هنا نستطيع أن نقرأ مدى الظلم والجور والإجحاف الذي تعرضت له هذه الطائفة المسلمة، لا لسبب، فقط لكونهم يوالون رسول الانسانية محمد (ص) وعترته الطاهرة والذين هم عرب أقحاح ليس فرسا ولا أتراكا وينتسبون الى قريش وهي أعرق قبائل العرب.

أما ثاني أهم أسباب الأزمة السياسية في العراق هو صعود وتصدي بعض الشباب للمشاركة الفعلية في العملية السياسية والذين لم يصلوا بعد الى مرحلة النضوج السياسي، ولم يحملوا عقيدة سياسية ولا مؤهلات حقيقية للمشاركة في قيادة واحد من أعظم شعوب الأرض، هؤلاء كانوا جزءا من الازمة وليس حلا لها، يحتاج العراق الى أناس على مستوى العراق وعلى مستوى تأريخه، يمتلكون من الحواس القيادية ما يجعلهم قادرين على تأسيس دولة عصرية قوية موحدة حضارية، اناس يعون الخطر الداهم الذي يحيط بالعراق من جميع الجهات، يدركون أنّ لا أحد سوف يدافع عن العراق في المحن والكروب سوى أهل العراق أنفسهم، ولعل انتفاضة العراقيين في شعبان سنة 1991م هي خير دليل على ذلك، لا أحد مد يد العون عندما هدّمت المدن الشيعية على رؤوس ساكنيها وهتكت أعراض النساء وأبيحت المدن للمرتزقة الصداميين، لم يرى أبناء تلكم المدن أي مساعدة حتى من دولة ايران المحسوبة على شيعة العراق، لم تحرك ساكنا لمساعدة أبناء الوسط والجنوب لحمايتهم من المارد العفلقي، اذن على القيادي والسياسي الذي يحتل دور مميّز في العملية السياسية، عليه أن يعي مدى المسؤولية والخطورة والمهمة التي يقوم بها، نحن نتكلم مع الذين أنتجتهم صناديق الاقتراع، مع الذين انتخبهم الشعب، مع الذين يعيشون آلام وأتعاب المواطن البسيط، أصحاب المبادئ والضمير الحي، نحن لا نتكلم مع أصحاب الجناية والرذيلة الذين يستخدمون مناصبهم القيادية لقتل الشعب، لا نتكلم مع الذين حصلوا على مناصبهم عن طريق التوافق والتناصف والفائض في قوائم الكتل، يقول مهاتما غاندي سبعة أشياء تدمر الانسان منها ، السياسة بدون مبادئ والمتعة بدون ضمير، لابد للدولة من أن تجد طريقا ومنفذا للقضاء على الفساد الاداري والمالي الذي يعتبر من أهم أسباب انهيار الشعوب والامم، ومن واجب كل مشترك في العملية السياسي المحافظة على هذه الامانة وتقديس الواجب، لا أن يكون مساعدا للفساد والارهاب وقتل العراقيين، لابد من تطهير مؤسسات الدولة من الرؤوس المفسدة والارهابية وأصحاب الولاءات الخارجية والنفوس الطائفية، وعلينا أن نوصل رسالة الى اخواننا من أبناء الطوائف الاخرى بأنّ العراقيين جميعا هم اخوة وأبناء لوطن واحد ، يشربون ويأكلون من أرض واحدة لآلاف السنين، متلاحمين ومجتمعين على سرر متقابلة، على مر الازمة يأتي الغزاة ويرحلوا، ويدخل الطامعين ويندحروا، ولكن الذي يبقى هو أنتم ، فكونوا كما أنتم سكانا لأرض الأنبياء والمرسلين والصالحين، لافرق بين شيعي وسني الا بالعمل الجاد لخدمة الوطن والمواطن، ليس المهم من أي طائفة أو مذهب من يقود البلاد، بل المهم عدالته ووطنيته وايمانه بأرضه وشعبه، وليس صعبا عليكم أن تجتازوا هذه المرحلة والخطيرة بكل أزماتها من تأريخ العراق.