النفط والأسعار |
ظلت اسعار النفط ومنذ تركز استخدامه كطاقة رئيسية – بعد أن اكتسح الفحم – بيد المشتري الذي يحددها بمشيئته وحده ويقف امامها المنتجون وهم يرفعون الايدي علامة الخضوع. وكان لتقلبات الاسعار نزولاً أو صعوداً آثار ها المباشرة على ما يحصل عليه البائع من العوائد.
لقد وقف سعر البرميل الواحد عند 2.25 دولار امريكي في العام 1972 وقفز الى 7.5 دولار امريكي أواخر العام 1975 ليصل صعوداً الى اكثر من 35 دولار اواخر السبعينيات.
ورافق كل ذلك الازدهار في الانتاج والتوسع التجاري الذي أدى الى اكتظاظ الموانئ في العالم والذي أوصل دور السفينة للتحميل أو الانزال لمدد طويلة. إذ دارت عجلة الصناعة عند أهلها وانتشر المروجون في كل الاسواق وهم يعرضون كل شئ.وعلى جانب المنتجين للنفط كان هناك تناقض في الاستجابة لما هو متاح ومعروض. منهم من بادر لوضع لبنات البناء والعمران بعجالة ادت الى الهدر الكبير لما حصل عليه من العوائد، أوصلته في النهاية الى أن يحتل موقع المدين الكبير بلا وعي منه أو ادراك.
ولكن البائع الآخر انتبه وأخذ الحذر في الانفاق لما حصل اليه، ليحول جزءاً كبيراً منه الى اصول أخرى تؤمن له الاحتياطي الضروري عند الملمات.
عندما هبطت أسعار النفط أواخر العام 1985 لتقترب من السبعة دولارات واستمرت على ذلك وحتى منتصف العام التالي، ورافقها بالطبع هبوط سعر الدولار الامريكي بحدة ليصل الى اقل قليلا من النصف باون استرليني. لم تبدأ حينذاك الازمة المالية وانما بدأت مرحلة الانهيار المالي الذي ادى الى نشوء ظاهرة المديونية، والتي كانت قد أعدت لها برامج مسبقة في دهاليز البنك الدولي وصندوق النقد الدولي مروراً بطروحات (بازل) التي كانت مهيئة في أدراج المكاتب في بنك التسويات الدولي.
ولم يكن أي من المدينين على الوعي أو الادراك أو أن يملك الاقتدار على مواجهة ما وقع. والكل استسلم بخنوع ليوقع على ما قدم اليه ويطيع ما أملي عليه.ومما يثير الأسى في أن لا أحد كان لديه الانتباه الكافي على الأقل ليأخذ الدرس من تجربة أكبر مديونية في التاريخ وقع فيها كل من المكسيك والبرازيل اوائل الثمانينيات، حيث تنادت كل الاقتصادات القوية في العالم – ومعضمها كان من جملة الدائنين – لتضع الخطط والآليات التي سهلت على البلدين امور التخلص من تلك الديون.
وهذا درس كان يجب ان لا يغفل عنه صناع القرار في الدول النفطية ليدركوا انهم كائنات اخرى ستظل الاقتصادات الكبرى تعطل مسيرة التطور امامها ما دامت قدراتها محدودة في الانتفاع بما يسرته الثروات الكامنة لها.
|