صفقة الانقاذ النووي |
كنت ومازلت وسابقى اول المطبلين المزمرين لتوقيع الاتفاق التاريخي بين ايران ومجموعة الدول الست او ما يسمى بـ 5 + 1 ، طبعا الواحد هنا المانيا وهي تستحق هذا التفرد . الجميع حبسوا انفاسهم في الايام الثلاثة الاخيرة التي سبقت الاعلان عن الاتفاق . وانت تشعر بحبس الانفاس هذا اكثر عندما تعمل في حقل اعلامي يغطي تطورات الحدث اولا باول . البعض يحبس انفاسه خشية ابرام الاتفاق وآخرون عكس ذلك . وفي السر يتلاعن الطرفان ويتهمان الاخر بالجهل والعمالة و عدم قراءة الاحداث السياسية قراءة محلل استراتيجي خليجيّ . لا يهمني الطرف الاخر الذي لعنني في السر والجهر لانني كنت اقف اخالفه رايه . ما يهمني هو الصف الذي وقفت في طابوره منتظرا ساعة الاعلان عن الاتفاق على احر من الجمر لاتنفس بعدها الصعداء . منذ تلك الساعة اللوزانية الحاسمة وانصار الجمهورية الاسلامية في ايران يحاولون ان يقنعونا بان الاتفاق نصر الهي مؤزر لا يقل عن فتح مكة . وانه "لاااااااءٌ " طويلة بوجه الامريكان والغرب عموما . لا ادري لماذا يُحشر ربُّ العالمين في كل صغيرة وكبيرة من حياتنا اليومية . وضمن هذه الرؤية القاصرة يتحول ربُّ العزة الى رجل أمن يُسيّر حركاتنا وسكناتنا دون عقل . اقول لهؤلاء الصحاب الخلّص ان قياديينَ في ايران اليوم مايزالون يشعرون بمرارة استمرار الحرب الاستنزافية مع العراق بعد عام 82 حيث الحدثُ المفصلي بتحرير ميناء "خرمشهر" من رجس البعث . هل مسموح لنا اليوم ان نتهم هؤلاء بالخيانة لمبادىء الثورة الايرانية لانهم دعوا في وقتها الى وقف الحرب بشكل مشرف . كل لحظة من لحظات تلك الحرب كانت دعما للحركة الوهابية المقيتة في العالم واستفحالها وتقوية شوكتها . وبعد ست سنوات من ذلك التاريخ اوقفت الحرب بأمر من الامام الخميني "رحمه الله" وبجهد جبار مارسه المقرب اليه الشيخ هاشمي رفسنجاني وآخرون . وجهتا نظر متقاطعتان غلّب الامام احداهما وتجرع - كما قال - كأس السم على مضض لتحقيق مصلحة ولم يقل ان الله اوحى له او ان الامام المنتظر أوعز بذاك . اتفاق بين الغرب وايران هو استمرار لتلك المدرسة التي تدعو الى التهدئة والتروي والتخلي عن المدرسة الثورية التي كانت ضرورة ملحة لفترة ما . اليوم ومنذ اكثر من عَقد اصبحت ايران دولة منظمة ولا يمكن ان تقاد بمنطق 35 سنة سابقة فمن تساوى يوماه هو المغبون . أذكر هؤلاء الاصدقاء الخلّص بان المرشدَين الروحيين ِ كررا عشرات وربما مئات المرات عبارة " لا تفاوض مع اميركا " وسط هتافات المريدين ، والحال ان المفاوض النووي الابرز الذي يتحدث الى ايران اليوم هو الولايات المتحدة . فما عدا مما بدا ؟ ترى من الذي تغير ؟ ليترحم الايرانيون على اجداد الارهابي بنيامين نتانياهو الذي دفع تحديه المتواصل للبيت الابيض واستعراض عضلاته امام الجمهوريين ، دفع الرئيسَ اوباما الى تحويل العداء بينهما الى معركة كسر عظم . وقد اعطى لعراب خارجيته جون كيري صلاحيات واسعة قد يصل بعضها الى حد التنازل لتمرير الاتفاق والثأر من حماقات نتانياهو و تحديه الاخير بالكونغرس الاميركي . الجالسون مثلي خلف الكيبوردات الانيقة لا تعنيهم ابدا تداعيات الكارثة الاقتصادية التي يعاني منها الايرانيون خلال السنوات العشر الاخيرات تحت وطأة العقوبات الدولية . الضغط تضاعف في السنوات الثلاث الأخيرات والتي خلالها اوشكت - او اصبحت بالفعل - العملة الايرانية بقوة المارك الالماني !!! لكن خلال الحرب العالمية الثانية . سعر الدولار في ايران تضخم خلال هذه الفترة اكثر من مئة مرة وانتم اعرف بمن يتحمل وطأة هذا الضغط !!! والجميع يعلم ان البازار الايراني يصاب بالزكام اذا انتعش الدولار الاميركي سنتا واحدا ، والبازار عصعص الاقتصاد في طهران ومصدر الرزق والخُمس الشرعي !!! يقول احد زملاء المهنة ان راتبه بالتومان قبل عشر سنوات كان عُشر راتبه اليوم لكن القدرة الشرائية في ذلك الوقت اقوى بعشر مرات !!! ترى هل يعلم هؤلاء الاحبة بتفاصيل حزمة التنازلات التي قدمتها ايران للغرب في هذه الصفقة ؟ باختصار ، ايران كانت ولا تزال تريد قنبلة ذرية لانها تشعر بغبن تاريخي ناجم من مشاهدتها جارتها باكستان و عدوتها اسرائيل تحتضنان منذ عقود هذه الرمانة اليدوية الجميلة فيما هي الاكبر حجما منهما و امكانيات وعمقا واقتصادا بقيت محرومة من هذه النعمة . هذا البرنامج تعطل على الاقل الى عشر سنوات مقبلات ، والعودة اليه ستكون كارثة على ايران والمنطقة عموما . قلتها واقولها وساكررها مادمت اؤمن بها ، ان الحلول في واشنطن ، لكن كيف يمكننا استيعاب هذه الصدمة والتعامل معها بحنكة وحكمة كما تعاملت طهران أمس بعيدا عن العنتريات التي ما قتلت ذبابة !!! ان شئتم الطريقة الاسهل لتحقيق هذا الاختراق فدونكم الكونغرس الاميركي اعملوا على جذبه بذهبكم المصخّّم حينها سيخلو لكم وجهها وتلعبون شاطي باطي بالعالم ... اما حرق العلم الاميركي في المظاهرات وترديد شعار "الموت لاميركا " ملء الحناجر فقد كانا فاعلين لفترة ما ... اما اليوم فلا ... الف لا . مرَّ على وجودي في الولايات المتحدة اكثر من 17 عاما شاهدت خلالها مئات المظاهرات وتابعت عبر التلفاز اضعافها ، لكني لم ار امیرکیا واحدا يحرق العلم الايراني او العراقي او حتى علم امارة ام القيوين ... احيانا ياخذنا الحماس لاشياء نراها عظيمة ويراها الاخرون تافهة جدا . والعقل الهادىء الحكيم وحده يقرر عظمها من تفاهتها . كل اتفاق نووي وانتم بخير
|