«الجزيرة» رائدة في الأخبار "الملفقة والمعدلة" |
العراق تايمز: وكالات: عبد الرحمن جاسم منذ بدء عملية «عاصفة الحزم»، استخدمت «الجزيرة» حرفتها إلى أبعد حد. القناة القطرية التي تعتبر «رائدة» اليوم في صناعة الخبر و»منتجته»، أصبحت قادرةً على خلقٍ خبرٍ، وتعليبه وتقديمه لمشاهدين بات كثيرٌ منهم لا يصدق أنها تنقل الخبر الصحيح، بل «الخبر» الذي يريد هو مشاهدته. حلم التفوّق على CNN الأميركية لدى تغطيتها «الموجهة/ المعدلة» لحرب الخليج (1990) أصبح أكثر من حقيقةٍ هذه المرة. يظهر الخبر السريعُ على الشاشة ضمن شريطٍ أحمر «قواتٌ مواليةٌ للحوثيين تطلق الرصاص الحي على متظاهرين في تعز». تعود القناة بعد ساعاتٍ ليس لنفيه، بل لتقديمه بصورةٍ مختلفة: «المسيرات المؤيدة للشرعية في تعز تتعرض للضرب «بالعصي» من قبل مؤيدين للحوثي». إذاً لم يكن هناك رصاص البتة، لا يهم، المهم هو تلك الساعات التي «مر» خلالها الخبر الأوّل. ولأنه لا بد من أن يكون «الخبر» هو الأصل، تسعى «الجزيرة» دوماً لإعادته مراراً، إنما بطريقة مختلفة لإشعار المشاهد أنه أمام حدثٍ مختلفٍ وإن كان متأكداً من أنه الحدث نفسه: في كل مرةٍ، تتم استضافة متحدثين (ضيوف/محللون) جدد، مع إضافة «فيديو جديد»، صور جديدة، وحتى مؤثرات تقنية «مبهرة» تجعل الخبر مختلفاً عنه «نفسه قبل ساعات». مثلاً يأتي تقرير عبد القادر عواضة عن اليوم الثامن للهجمات الجوية السعودية على اليمن عبر «تقنيات» حديثة تجعل المشاهد «راغباً» في متابعة «التقنية» أكثر من الخبر. أجادت المحطة القطرية «تشويه» الخصوم إلى حدٍ كبير تعلمت «الجزيرة» حرفة «تعرية الخصوم» من خلال التجربة السورية التي جعلت القناة واحدةً من أقوى أسلحة الدولة الخليجية الصغيرة، فهي تجيد «تشويه» الخصوم. جاء ظهور محمد البخيتي (عضو المجلس السياسي لأنصار الله) على القناة كنوعٍ من ذر الرماد في العيون ضمن لعبة الرأي والرأي الآخر، ليقاطعه المذيع محمد كريشان مراراً بجملٍ مخيفة مثل: «ألستم أنتم من أوصل الأمر إلى هذا الحد؟»، «ألم تتم دعوتكم إلى ترك منطق القوة والكبرياء والاستقواء في مغامرات فرض أمر واقع وأوصلتم أنفسكم إلى هذا المآل؟». وحين حاول البخيتي الإشارة إلى الجزر السعودية المحتلة، قاطعه كريشان، قائلاً «أنتم استقويتم بالخارج، واستفززتم غيركم وأخذتكم العزة بالإثم، هل كنتم تتوقعون أن «تبلعوا» البلد ويسكت الجميع»؟ في الإطار نفسه، تم اللعب على تذكير الجمهور الخليجي باحتلال صدام حسين للكويت في المقابلة نفسها. وهو نفسه ما ذكر في مقابلةٍ مع عبدالله بن حمد العذبة (رئيس تحرير صحيفة «العرب» القطرية) الذي أعاد الفكرة، مؤكداً أن «الحدث يعيدنا إلى أجواء احتلال العراق للكويت، وموقف السعودية الرافض لذلك الاحتلال» متناسياً «الدور الأميركي» في ذلك الأمر. في الإطار عينه، كان الإصرار على أنَّ «الحوثيين» هم من جروا الوبال على البلاد «ثيمة» أحمد الشلفي محرر الشؤون اليمنية في القناة، مؤكداً «استزلامهم للخارج» وأنهم «يملكون صواريخ إيرانية» (قالت القناة أنها بالستية في تقرير زياد بركات). وفي تقريرٍ آخر لبركات، تبدو «الجزيرة» واضحة «المخالب» بالسخرية من «فائض القوة» لدى الحوثيين الذي تحوّل «فائض الهشاشة» بعد الضربات الجوية السعودية. هذه الضربات «الدقيقةً» و»الصاعقةً» ذات الأهداف المحددة تحدث عنها الصحافي اليمني أسامة الشرمي بأنها «مهمة للغاية» وبأن الشعب اليمني يؤيدها. ذلك القصف الجوي كان «حكماً» لا يصيب أهدافاً مدنية. وحتى حين أشار الصحافي اليمني شاكر أحمد خالد (من صنعاء) بأن هناك «ضحايا مدنيين» جراء القصف السعودي، قاطعه المذيع بسرعةٍ وحرفة: «ألم تذكر أن المناطق التي قصفت هي مؤسسات رسمية، إذا لماذا يتواجد فيها مدنيون» ليستدرك خالد أنها من الأحياء المجاورة، كما أنه ليس مصدر هذه المعلومات، ليعاجله المذيع بسؤال عن «رد فعل الحوثي على تلك الضربات» مبعداً أي محاولة لذكر الضحايا، المدنيين، الشهداء... الضربات العسكرية السعودية «محددة/ دقيقة» لا تصيب مدنيين إلا قلة! على الجانب الآخر، كان الحوثيون يقصفون بيوتاً آهلة بالدبابات، وقناصة على أسطح المنازل، ويوقعون «ضحايا» أبرياء مؤيدين للشرعية» في كريتر في عدن، بحسب تقرير لفتحية زليليف. كما أنّ الحوثيين «الأشرار» بحسب تقرير لعبد الله مصطفى باتوا يقتطعون أجزاءً من رواتب موظفي الدولة دعماً لهم في مواجهة الغارات السعودية. الشرعية ثم الشرعية: يحظى الرئيس اليمني الحالي عبد ربه منصور هادي بنوعٍ من "التبخير". هو غطاء الشرعية التي "تتلحف" به الهجمات الجوية، "فهي لم تحدث إلا لأن الرئيس الشرعي هو من طالب بها" هكذا يكرر ويعيد أحمد الشلفي مثلاً، فهو يشرح أنَّ ما حدث لا يعد خروجاً على السياق اليمني المعتاد، فالرئيس طلب التدخل السعودي لأنه الأمر الطبيعي والمنطقي لحماية الدولة ومؤسساتها الشرعية. إذاً فالشرعية هي "المقياس". المقياس نفسه لم يطبّق مثالاً في سوريا، فالرئيس ليس شرعياً، وفي مصر فالسيسي كذلك ليس شرعياً بحسب القناة القطرية (حتى اللحظة). بذل "القديس" هادي جهده قبل طلب التدخل "الخارجي" من خلال التصدي لطموحات الحوثيين عبر كثيرٍ من الوسائل بحسب تقريرٍ لزياد بركات، وإنه "لم يجد بداً من ذلك" بحسب تقريرٍ لعبد القادر عراضة. المفردات والصورة تلجأ «الجزيرة» إلى "خلق" مفرداتٍ متناسبةٍ لكل ساحةٍ من ساحات تغطيتها، ولا يشذ الوضع اليمني عن ذلك. تستخدم القناة يمنياً مفرداتٍ "هجومية" من نوعية "ميليشيات الحوثي"، "الميلشيات الإنقلابية"، "الإنقلابيون على الشرعية"، "تجمعات الحوثي". ويبدو أن الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح يحظى بالنصيب الأكبر من التسميات "المهينة" فمن "أبو رغّال" (نسبة إلى احدى الشخصيات الكاريكاتورية الخائنة من التراث العربي)، إلى"عفاش"، والديكتاتور، والثعلب اليمني، والراقص فوق الأفاعي، فالمخلوع وهي الصفة الأكثر استعمالاً من الجميع حتى لتبدو رسميةً إلى حدٍ ما في وصفه من قبل القناة وضيوفها. أما من ناحية الصورة، فتعمد القناة إلى إعادة بث صورٍ "مركزية" ثلاث مع إعادتها مراراً وتكراراً بشكلٍ ثابت: صور القادة والأمراء السعوديين يتباحثون مع ضباطهم (محمد بن نايف ولي ولي العهد، محمد بن سلمان، والملك سلمان) كلما كان هناك "فراغ صوري" للتأكيد على "أهمية هؤلاء" الحدثية. الصورة الثانية هي للطيران السعودي يقصف مواقع معينة، مع نزع أي صورة لأشلاء أو جرحى أو مصابين (ناهيك بنشر صور ضحايا قتلهم الحوثيون بحسب القناة). أما الصورة الثالثة فهي "المظاهرات" المؤيدة للتدخل السعودي التي ترفع صور الملك سلمان وتطلق شعاراتٍ "مؤيدة" له. هذه الصور الثلاث تكاد تتكرر منذ بدايات العدوان حتى اللحظة. تأتي خلفها بالتأكيد بعض الصور المتناثرة لعبد ربه هادي هنا وهناك للتأكيد أنّ الحدث لا يزال "يمنياً". التقارير الخاطئة كشف موقع «العهد» الإخباري أن "فيديو" نشر أخيراً في تقرير إخباري بثته «الجزيرة» (لنادين الديماسي) ادعت فيه القناة إنه يظهر "اشتباكاتٍ" بين "مقاومةٍ" تابعة للرئيس "الشرعي" هادي وبين عناصر من "الحوثيين" وبعض قوات الجيش المؤيدة لصالح. لكن الفيديو يعود إلى 20 أيلول (سبتمبر) 2014 ويصوّر اشتباكاتٍ حدثت بين مقاتلين من «حزب الله» وآخرين من جبهة «النصرة» في منطقة جرود عرسال اللبنانية. الأخطاء التقنية من هذا النوع لم تغب أبداً عن القناة فهي كانت قد بثت عام 2011 -وبحسب صحيفة «الرياض» السعودية- تقريراً قالت إنه "لتعذيب" في أحد سجون اليمن، ليتبين في ما بعد أن الفيديو هو "لتعذيب سجناء عراقيين إبان حكم صدام حسين" كانت قناة «العربية» قد بثته عام 2007. اعترفت بهذه السقطة –على استحياءٍ وقتها- إلا أنها لم تشر أبداً إلى مكان وقوع "التعذيب" أو تاريخه.
|