ليالي قريش ٢١

 

 

قبل هاشم، يثرب ماكانتش مجهولة بالنسبة لـ قريش، ولا قريش، بـ طبيعة الحال، كانت مجهولة بـ النسبة لـ يثرب. قريش ما كانتش مجهولة بـ النسبة لأي حد بـ حكم الحج، وموسم التجارة والبيع والشرا. ويثرب بـ حكم استقرار أهلها ووجود اليهود (أهل الكتاب) كانت كمان معروفة.

لكن المعرفة دي ما تعنيش أبدا عن وجود علاقات خاصة بين القريتين، لأنه مفيش داعي، لـ حد ما هاشم خد الإيلاف، أو العهود الدولية من الروم والفرس واليمانيين والأحباش. وده معناه إن قريش هـ تمر بـ قوافل تجارية ضخمة على يثرب، وهي رايحة الشام، أو جاية من هناك.

لو بصينا على الخريطة هـ نلاقي إن يثرب بـ الذات في عصب الطريق، ولو حصل أي عوق من أهلها، فـ قول على تجارة مكة يا رحمن يا رحيم.

اللي عمله هاشم كان أبعد من إنه خد عهد أو ميثاق أو عمل علاقات دبلوماسية مع اليثاربة، ده راح اتجوز منهم. ودي كانت أول علاقة مصاهرة بين مكة ويثرب، ومش اتجوز واحدة، لأ اتنين.

حكاية الجواز والمصاهرة على سبيل توثيق العلاقات الدبلوماسية كان عادة معروفة عند العرب، وعند غيرهم كمان، وهاشم اتجوز ست مرات، من خمس قبائل مختلفة، مفيش فيهم واحدة من قريش، يعني عندك أميمة بنت أد، دي من قضاعة، ودول كانوا شمال الجزيرة العربية. التانية كانت قيلة بنت عامر، دي من بني المصطلق، يعني من خزاعة (فاكرين الخزاعيين اللي طردهم قصي)، التالتة واقدة بنت أبي عدي، ودي من مازن بن صعصعة (قبيلة مش قرشية) والرابعة أم عدي، ودي من ثقيف (قبيلة جنوب مكة).

نضيف على الأربعة دول الاتنين ستات اللي اتجوزهم من يثرب، واحدة اسمها هند الخزرجية، ودي ذكرها قليل جدا، أما التانية فـ هي سلمى بنت عمرو الخزرجية برضه، ودي الكلام عنها كتير نسبيا، ليه؟ لأنها ببساطة جدة النبي.

لما نتكلم عن سلمى هـ نلاقي إن فيها كتير من الملامح اللي نعرفها عن خديجة بنت خويلد، ست شريفة في قومها، عندها كاريزما وحضور، وده واضح من إنها كانت بـ تشترط علشان تتجوز إنه بـ لغتنا النهاردة "العصمة تبقى فـ إيدها" بـ معنى إنها تملك تطليق نفسها.

قبل هاشم كانت سلمى متجوزة واحد، ومخلفة منه، ولما جه هاشم يخطبها، اشترطت، غير موضوع العصمة، إنها لو حملت تولد في يثرب، ما تولدش في مكة. ووافق هاشم، وعقد القران، وراح الشام بـ القافلة، ورجع خدها ودخل عليها في يثرب، وخدها معاه مكة. أول ما حملت، خدت بعضها ورجعت يثرب، خلفت هناك، جابت ولد. سمته "شيبة" أو "شيبة الحمد"، وده اللي هـ نعرفه في التاريخ الإسلامي بـ اسم "عبد المطلب".

إنما الملاحظ يا أخي إن هاشم، ورغم جوازه مرتين من اليثاربة، المرتين كانوا من الخزرج، مفيش مصاهرة مع الأوس، ودي حاجة جايز ما يكونش ليها معنى، بس اللي بـ أفهمه من كده إن قريش كانت على الأقل عندها علم بـ تركيبة يثرب، وإنها اختارت، بـ رغبتها أو عفويا، إنها ما تتدخلش للمصالحة، أو إنها حتى تراعي التوازن بين القبيلتين المتعاركتين.

بـ كده قدر هاشم إنه يقفل ملف يثرب، ويبقى زيتنا في دقيقنا، وفي سياق موازي غرقت يثرب أكتر في خلافاتها وزادت بينهم الحروب، وعلى قد ما ده كان مضر ليهم، لكن كمان خلاهم خدوا خبرات قتالية عالية على عكس أهل مكة اللي كان السلام مش مجرد اختيار، السلام كان رأس مال بالنسبة لهم.

بس يثرب مكنتش الوحيدة، خلينا نشوف الأماكن التانية المرات الجاية

تابعونا