ليالي قريش ٢٢

من الحاجات اللي اتعودنا نقراها عند كتير من الباحثين، خصوصا خليل عبد الكريم وسيد القمني، الجمع بين مكة ويثرب والطائف في جمل مفيدة كتير قبل الإسلام. طبعا الكلام دايما بـ ييجي في سياق التأريخ للدولة الإسلامية، اللي نشأت في مكة، ومكة نقطة استقرار نشأت في قلب الحجاز زي ما شفنا بـ سبب المياه الجوفية، والجمع بينها وبين يثرب والطائف علشان يثرب والطائف نقطتين استقرار تانيين، جت قبائل كبيرة ومهمة وقعدت هناك بـ سبب توافر المية.

تمام، لكن الكلام ده إجمالي، ويوحي بـ إنهم كانوا قريبين على الأقل في الطبيعة، إنما الواقع إن الطائف غير يثرب خالص، لما نيجي نتكلم هنا بـ شيء من التفصيل، الطائف مختلفة من حيث النشأة والتركيبة وعلاقتها بـ مكة، وكل حاجة، كل حاجة.

الطائف في جنوب مكة، وعلشان هي مدينة ممطرة، جوها معتدل، غير الصحرا اللي حواليها خالص، كان عندها فرصة مش بس للاستقرار، لكن كمان كانت مدينة زراعية فيها ثمرات. وأقدم حد نعرف عنه معلومات سكنها هم قبيلتين هوازن وثقيف، بعد ما كان بـ يسكنها القبائل العربية اللي هلكت وانتهى أثرها.

ثقيف كانت غير القبائل اللي سكنت يثرب، قبائل يثرب كانت مرحبة بـ استقرار القبائل التانية عندهم مقابل دفع أرضية، علشان كده اليهود جم وقعدوا، بعدهم الأوس والخزرج. في الطائف، ثقيف حرصت على استقلال المدينة، فـ عملت سور حوالين المدينة، له بابين، والسور ده يطوف حوالين المكان، فسموه "الطائف" ومنها جه الاسم المعروف.

طبعا في كل حاجة هـ تلاقي حكايات ظريفة، فيها معجزات، ومنها تفسير لـ تسمية الطائف بالاسم ده، وهي إنه لما النبي إبراهيم جه بـ مراته التانية هاجر، وابنها الرضيع النبي إسماعيل، وسابهم في مكة، دعا ربنا الدعوة الموجودة في القرآن، سورة إبراهيم: 
"رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُواْ الصَّلاَةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ".

يعني:
يا رب، أنا خليت ذريتي تسكن في "وادي غير ذي زرع" = وادي مفيهوش زراعة، الوادي ده عند بيتك المحرم، يعني في مكة. يا رب، أنا عملت كده علشان يقيموا الصلاة.
فـ خلي مجموعات من الناس تيجي عندهم، وارزقهم ثمرات، يمكن يشكروك.

فـ إيه بقى؟
ربنا، علشان يرزقهم من الثمرات، أمر جبريل الأمين، خلع مدينة من الشام، وشالها على جناحه، ولما وصل مكة، طاف حوالين مكة سبع مرات، وبعدين حطها على بعد 90 كيلو جنوب مكة، فـ بقت الطائف.

طبعا الحكاية دي مش بـ تقول لنا، ولما خلع المدينة من الشام، إيه اللي فضل مكانها هناك؟ أو ليه ما حطش المدينة دي في مكة نفسها، اللي مكنش فيها حاجة وقتها؟
الواحد، أكيد، مش بـ يحكي الحكاية دي علشان يناقشها بـ العقل، دي حاجات غيبية، اللي عايز يصدقها يصدقها، لكن يهمني هنا إن الحكاية دي بـ تقول لك مكة كانت بـ تبص للموضوع ازاي؟

وهنا فيه تلات ملاحظات:
أولا، الطائف ظل لـ مكة، مالهاش وجود مستقل، هي أصلا موجودة لـ خدمة سكان مكة، ربنا سخرها مباشرة علشان ولاد النبي إسماعيل، اللي هـ يعيشوا في مكة يلاقوا "رزقهم" من الثمرات.

ثانيا: الطائف مدينة زراعية بـ الدرجة الأولى، ودورها الأساسي مش التجارة، هم فلاحين شغلتهم الأصلية هي الأرض.

ثالثا: ودي مش خاصة بـ الطائف، إنما بـ الشام، اللي هي في أذهان العرب طول الوقت أصل كل حاجة، في أي موضوع تلاقي إشارة للشام، كام مرة قلنا اسم "الشام" في أحداث مختلفة، ومع شخصيات مختلفة؟

بعيدا بقى عن حكاية نقل الطائف من الشام، هل فعلا كانت الطائف ظل لـ مكة؟ وإيه كان شكل العلاقات بينهم، وازاي كانت في اللحظة اللي كان هاشم بـ ياخد المواثيق الدولية المعروفة بـ اسم الإيلاف؟
خلينا نشوف الحلقة الجاية