سبايكر- أن نفتح أعيننا أمام بشاعة مؤلمة! |
أخيراً كشف ما يكفي من الحقائق لنكتب عن مجزرة سبايكر، رغم أن الغموض مازال يلف الكثير من ملفاتها، ومازال معظم مرتكبيها طليقين. لكن اكتشاف مكان الجريمة والقاء القبض على بعض مجرميها، يتيح لنا ويفرض علينا اتخاذ موقف، موقف المطالب بإنزال أشد عقوبة ممكنة ليس فقط بمرتكبيها، بل وايضاً بكل من تعاون معهم أو قدم التسهيلات لها أو سكت عن جريمتهم، كل حسب مشاركته بالجريمة.
إن هذا الفيديو(1) يكشف بعض الحقائق المهمةرغم أنه لا يكفي بالطبع ويترك عدد من علامات الإستفهام التي يجب توضيحها مستقبلاً لكي يتم اتخاذ موقف واضح وقانوني يقف وراءه الشعب العراقي كله بكل قناعة، فمثلما أن داعش ليست عدوة لطائفة معينة بل عدوة للشعب العراقي كله، فإن ضحايا سبايكر هم ضحايا العراق كله وليسوا ضحايا طائفة معينة، ويجب أن "يثأر" العراق لأبنائه من مرتكبيها.
من المؤكد أن جريمة بشعة جداً، من ابشع جرائم داعش قد ارتكبت في صلاح الدين، ومن المؤكد أن هناك تعاون ذو طابع عشائري في الجريمة. ومع تحفظنا على العبارة وما قد تعنيه، فإن هذا لا يعني معاقبة الأبرياء من أية عشيرة، وإنما أن شيوخ تلك العشائر من الذين اسهموا في دفع عشائرهم إلى المشاركة بالجريمة يجب أن ينالوا أشد العقاب، عقاب القتلة، حتى لو لم يشاركوا في عملية القتل بأنفسهم. إن شيخ العشيرة الذي يدعو الآخرين إلى الجريمة، لهو مسؤول بدون شك، اكثر من المجرم الذي يضغط على الزناد بيده، وإن كان الأخير يستحق الموت بلا شك لفعلته، فأن الشيخ الذي امره لا يستحق اقل منه، ومهما كانت الأسباب ومهما كانت نتائج الحكم.
إن السنة، وعشائر وسكان تكريت بالذات مدعوة لأن تنظر بتمعن إلى ما ارتكب بعض أبنائها في تلك الجريمة وان تعبر بخطاب لا ريب فيه أو مراوغة عن موقفها، الذي نأمل ان يكون إنسانياً حضارياً لا اثر لنصرة جاهلية لظالم أو التستر عليه. إن حماية العشيرة والجماعة لا تتم بإخفاء المجرمين أو إغماض العين عن جرائمهم أو تخفيفها بالتحجج بالظروف أو الدعوة إلى "عفا الله عما سلف"، بل تتم من خلال فرز النفر الفاسد المجرم عن غيره ليتحمل وحده وزر فعلته ويقنع أهل الضحايا، وكل العراقيين في هذا الظرف- هم أهل الضحايا، ان العدل أخذ مجراه وأن أرواح أبنائهم قد سكنت بنيل من قام بقتلهم جزاءه الكامل والعادل.
الجميع مدعو كذلك إلى عدم لفت الأنظار بعيداً عن الجريمة بذكر جرائم أخرى ارتكتبها ميليشيات أو حكومات محسوبة على الشيعة أو غيرهم. فأمامنا جريمة محددة وواضحة إلى درجة كافية لنتخذ منها موقفاً واضحاً ومحدداً. فإن ارتكبت قوات حكومية جرائم اختطاف أو قتل أو ابتزاز تجاه مواطنين أبرياء، فهذا لا يخفف من جرم ارتكاب جريمة اخرى تجاه أبرياء أيضاً، ولا معنى للمقارنة أو المطالبة بالعدل في هذه أو تلك أولاً. إن العدل في كل الجرائم يتحقق من خلال اتخاذ موقف مستقل من كل جريمة وكأنها الوحيدة التي حدثت، ثم الإلتفات إلى جريمة أخرى والإصرار على التحقيق فيها وتقديم مجرميها إلى العدالة. إن مقارنة جريمة بأخرى وكانها تقابلها، خطأ جسيم لا يفيد منه إلا المجرمون في الطرفين. والموقف السليم المبدئي من أية جريمة سيساعد بالتأكيد على دفع موقف سليم ومبدئي من الجريمة التالية وهكذا. فإن وقف السنة موقفاً مبدئياً سليما من جريمة سبايكر، فسيكون هذا دافعاً اقوى للشيعة أن يقفوا ذات الموقف من جريمة يرتكبها شيعة تجاه سنة وهكذا نسير نحو الأمام. أما إذا تم تمييع الأمر وأدخلت فيه قضايا المقابلة و"المصالحة" وغيرها من العبارات التي تهدف في حقيقتها إلى إعاقة العدالة، فأن الحجة ستكون جاهزة للجانب المقابل أن يعامل مجرميه بنفس الطريقة لينتصر المجرمون في الطرفين ويدفع الأبرياء الثمن وتستمر الجريمة.
يجب أن يعلم الناس في الطرفين بل ويشعرون في اعماق نفوسهم، ان المجرمين وإن كانوا من طائفتهم، فهم ليسوا "منهم" وأن معاقبتهم ليست عقاباً لهم بل تنظيفاً لهم من العناصر الوسخة المسيئة إلى الطائفة والعشيرة، وبالتالي فإن اصحاب وأقارب المجرمين يجب أن يكونوا أكثر حرصاً على معاقبتهم والتخلص منهم لكي تعود العشيرة أكثر نظافة ويعود العراق أكثر وحدة. إن الخط الفاصل بين أجزاء الشعب العراقي لا يجب أن يكون الخط الطائفي الذي يفصل بين السنة والشيعة، بل خط الحق ومصلحة الوطن، الذي يفصل بين الطيبين من الطرفين من جهة، والمجرمين من الطرفين من الجهة الأخرى، بين الوطنيين من جهة وعملاء الأمريكان والإسرائيليين حاملي الأجندات المدمرة من الجهة الأخرى. ولا غرابة أن الأمريكان والإسرائيليين من ورائهم وكل من نظم هؤلاء من عملاء، في الإعلام بشكل خاص، يريدون ان يروا الخط الطائفي قوياً وحاسماً في العراق، فيوجهون إليه كل أضوائهم، ويتحدثون في "تحليلاتهم" وأخبارهم عن "سنة قتلوا شيعة" أو بالعكس. ونريد وكل الخيرين في الشعب العراقي أن يكون الخط الوطني هو الفاصل والحاسم، وأن نتحدث عن انتصار العراقيين من شيعة وسنة، على المؤامرات على الوطن، ودحر دواعشهم ومجرميهم.
إن مستقبل الشعب العراقي مرهون بأي الجهتين سوف ينتصر في فرض خط الفصل الذي يريده، فلا يقبل أحدكم بتركيز الأضواء على خطوط الطائفة وترك خطوط الإنسان والعراق في الظلام. لذلك كله لا يجب أن يشعر سني أو تكريتي طيب، بأن المجرمين من السنة والتكارتة هم "جماعته" أو أقرب إليه من الطيب الشيعي ويدافع عن الأولين بوجه الآخرين أو يجد الحجج لهم أو يتعاطف معهم بأي شكل من الأشكال، بل أن يشعر أنهم اعداءه قبل عدائهم للشيعة، والمدمرين له ولعشيرته قبل تدميرهم للشيعة. فالسكين التي وجهت إلى طلبة سبايكر الأبرياء، إنما كان هدفها طعن عشائر تكريت والسنة وتشويه شرفهم، أكثر مما هدفت إلى أذى الشيعة. وعلى هذا الاساس فيجب على السني والتكريتي أن لا يدخر وسعاً لإظهار موقفه هذا والتعبير عنه بمختلف الطرق والوسائل والمبادرات.
إن مثقفي السنة وخاصة من أهالي تكريت مدعوون ليس فقط إلى التنديد بالجريمة باقوى العبارات، بل أن يبحثوا عن المبادرات والفعاليات المبدعة التي تبين موقفهم واهتمامهم، وتنأى بهم عن المجرمين وتوضح للجميع الخطوط التي تفصلهم عنهم، مثلما تؤكد المساحات التي تربطهم بأهالي الضحايا، ولن يجدوا من هؤلاء إلا الأحضان المفتوحة لهم، ليعودوا أهلا كما كانوا دائماً، كأعضاء الجسد، يصيب كل منهم أي ألم يصيب الآخر، وينهض من الرماد مرة أخرى، الشعب العراقي الطيب والإنساني.
(1) فيديو حول القاء القبض والتحقيق مع بعض مجرمي سبايكر https://www.facebook.com/video.php?v=1097584400257022&pnref=story |