ليالي قريش ٢٣

مع تحول مكة من سوق محلي، لـ سوق إقليمي، بقى فيه احتياج لأسواق محلية في مناطق قريبة بـ حيث تبقى امتداد للنقطة المركزية في الأرض الحرام. وده حصل مع كذا سوق، اللي يهمنا منهم هنا هو "سوق عكاظ".

ما اعتقدش إن حد منا ما سمعش الاسم ده، وهو مضرب المثل في فكرة السوق، وحتى معرض الكتاب بـ يسموا واحد من أكبر تجمعاته الثقافية سوق عكاظ.

إيه بقى قصة السوق ده؟

السوق ده موجود في الطائف، على الأدق على حدود الطائف. وهو واحد من تلات أسواق خارج مكة اتكونت تلقائيا للغرض اللي قلناه، وهو خاضع لإشراف قبيلة هوازن، ومعاها طبعا ثقيف.

السوق التاني كان سوق مجنة، وميعاده تاني يوم سوق عكاظ، ومكانه في بلاد كنانة، يعني في الطريق من الطائف لـ مكة، والسوق التالت كان سوق ذي المجاز القريب جدا من عرفات، وميعاده في أوائل ذي الحجة، يعني احنا بـ نتكلم عن رحلة مكانية وزمانية رابطة المنطقة في تجارة واحدة.

الموضوع مابقاش سهل، والسيطرة بقت محتاجة فوة وإدراك، لكنها شوية شوية بـ تحطك مع الدول العظمى، والأهم إنها بـ ترقيك إنت شخصيا، وغصب عنك بـ تدخل في السياق العالمي، علشان كده الصورة اللي استقيناها من الأفلام الدينية بتاعة الستينات والسبعينات عن العرب المعفنين اللي مش بـ يستحموا، أعتقد محتاجة مراجعة.

خلينا في سوق عكاظ، اللي مكنش مستقل عن تجارة مكة، لكن كمان مكنش تابع بـ المعنى الإداري، وما تقدرش كمان تعتبره الند للند، والوضع ده هـ يبقى له تأثير قدام شوية.

المهم، إن سوق عكاظ كان جزء من موسم الحج، ميعاده كان أول أيام ذو القعدة، لـ مدة عشرين يوم، وكان الناس بـ يحضروه بـ ملابس الإحرام للحج الكبير، واتكونت قاعدة دينية بـ تقول إن "أفجر الفجور هو العمرة وقت الحج".

إحنا عارفين إن الحج له توقيت معين كل سنة، أما العمرة ففي أي وقت من أوقات السنة، كده توقيت سوق عكاظ بقى جزء من موسم الحج، وبقت العمرة محرمة في الوقت ده، فـ بقى لازم الناس تعدي على السوق ده في التوقيت ده، كـ جزء من إجراءات الحج.

بـ النسبة لـ هاشم، الوضع ده كان مريح جدا، مش هو اللي اخترع سوق عكاظ، السوق بدأ من أيام قصي كـ وضع طبيعي لـ تضخم تجارة مكة. لكنه أقره ودعمه وشجعه. غير الإجراء مع يثرب، كده بقى فيه سوق خلفي بـ يوسع حجم التجارة المكية، والمكيين نفسهم بدؤوا يستثمروا في الطائف، ويبقى أراضي وأموال ومصالح، وهاشم نفسه اتجوز من ثقيف زي ما اتجوز من يثرب، اتجوز بنت حبيب بن الحارث، وده هـ يبقى بداية سلسلة طويلة من المصاهرات بين مكة وثقيف.

بـ النسبة لـ هوازن وثقيف كمان، حكاية سوق عكاظ كانت مريحة جدا، ومصلحة. ورغم إنهم كانوا رجال زراعة زي يثرب، لكنهم دخلوا ليلة التجارة من باب عكاظ، وده هـ يخليهم هم كمان يتضخموا ويبقى لهم اتصالات دولية.
في عصر هاشم، وضع الطائف ما تطورش عن كده، لكن خلينا نتكلم عن ملحوظة ما تتفوتش بـ خصوص "عكاظ".

يمكن تجاريا مكنتش الطائف تتقارن بـ مكة ولا بـ أسواقها، لكن ثقافيا وأدبيا، عكاظ كان عاصمة ثقافية للجزيرة العربية تقريبا، يعني الشعرا والأدبا و"المفكرين" (إن جاز التعبير) كان عكاظ بـ النسبة لهم هو أهم أحداث السنة، وفي عكاظ بدأت تظهر أو خلينا نقول تنتشر الأشكال الفنية المختلفة، اللي كان الشعر أساس فيها، لكن كمان كان فيه مثلا سجع الكهان.

إيه حكاية سجع الكهان دي؟
دي حكاية الحلقة الجاية بقى
تابعونا