وأخيراً .. ثبت أن الأمين العام لم يكن أميناً ..!


أطاحت محكمة جنح الرصافة بالأمانة المفترضة للأمين العام السابق لجمعية الهلال الأحمر المدعو ( مازن عبد الله سلوم ) ، عندما قضت بالحكم عليه ( غيابياً ) في الخامس والعشرين من آذار الماضي ، بالحبس الشديد مدة سنتين استناداً الى أحكام المادة ( 341 ) عقوبات ، وذلك لـ ( ارتكابه العديد من التجاوزات في العقد المبرم بين الجمعية وأحدى الشركات المجهزة لمواد الاغاثة ) ، الأمر الذي الحق الضرر بالمال العام بمامقداره ( 135) الف دولار أمريكي في العام ( 2006 ) !.
هذا واحد من ملفات الفساد المستشري في العراق ، يوضح بمالايقبل الشك ، الصورة الحقيقية للتأثير السلبي للمحاصصة الطائفية على القرار السياسي ، فالمدان هنا يمثل جهة أختارته للمنصب ، واختياره جاء وفق اعتبارات انتمائه اليها أولاً دون التدقيق أو الاهتمام بجدارته لشغل المنصب ، ناهيك عن مؤهلاته وسيرة حياته وسمعته الوظيفية السابقة ، وبعيداً عن كل ذلك ، يبدو أن المحاصصة التي جاءت به كانت لاتسمح حتى بمراقبة أدائه قبل أرتكابه الجرم الذي حوكم عليه ، وهذا هو السائد في جميع المؤسسات العراقية ، وهو أحد أهم قواعد الفساد المفضية الى الخراب منذ الاطاحة بالدكتاتورية ومازال .
لكن قاعدة الاستناد الأخرى للفساد العام هي القوانين المشرعة للتصدي له والأساليب الموصله لتطبيقها ، ويأتي المثال هنا فاضحاً وغير مفهوم ، عندما يكون ارتكاب الجرم مؤرخاً في العام ( 2006 ) ، ويصدر الحكم فيه في العام ( 2015 ) ، وتثبت المحكمة تلك التواريخ دون حساب ولا تبرير عن أسباب بقائها دون حسم كل هذه السنوات ، بالرغم من أنها تتسبب بالاضرار بالمال العام ، وكأن القضية مرفوعة في بلد آخر ، والمحكمة فيه ليست معنية بتداعيات تأثيره على مصالح شعبها !.
لكن المفارقة الأكثر ايلاماً هي أن نفس هذه المحكمة كانت أصدرت حكمين سابقين بلغ مجموع الحبس فيهما ( ثمان سنوات ) بحق الرئيس السابق للجمعية المدعو ( سعيد اسماعيل حقي ) ، على خلفية تجاوزات ومخالفات أرتكبها وفق نفس الاسلوب ، وكان الحكم غيابياً أيضاً ، ودون أن يتضرر منه المدان لأن صدوره جاء بعد سنوات طويلة ، سمحت له بمغادرة العراق لحماية نفسه والتمتع بسرقاته من المال العام ، لينظم الى أقرانه من السراق المحميين بأكثر من طريقة ، والعاجزة حكومات العراق المتعاقبة على استعادتهم من البلدان التي يعيشون فيها منعمين ودون أكتراث لقرارات المحاكم العراقية التي تحولت الى حبر على ورق .
في الوقت الذي يواجه فيه العراقيون أشرس عصابات الارهاب المدعومة من أجهزة المخابرات والحكومات المعادية لتطلعات الشعب العراقي بحياة تليق بتضحياته ، لازال أداء السياسيين المرتبك وغير المجدي يوفر مناخات مثالية للسراق والمنتفعين والخونة المدعومين من الداخل والخارج ، لتستمر ماكنات الفساد بعملها المدمر للاقتصاد العراقي ، دون رادع قانوني طالما كانت المحاصصة الطائفية البغيضة هي غطائهم الاقوى من كل القوانين .