الإجراءات الأمنية وأثرها على الحريات العامة

 

يعاني الكثير من المواطنين من الاجراءات الامنية التي تتخذها الاجهزة الامنية لضمان الامن والاستقرار في المدن والتجمعات السكانية وهذه الاجراءات نجم عنها الكثير من السلبيات على صعيد العلاقة والتعاون بين المواطن والاجهزة الامنية ، كان منها الانطباعات المتبادلة بين المواطنين والاجهزة الامنية التي بات يتعامل بعض عناصرها مع المواطنين على اساس انهم واحد من التهديديات للأمن الوطني  . الا أن حقيقة الامر أن المواطن لا يتحول أبدا إلى خطر داخلي طالما أنه يمارس حريته في إطار القانون، ولكن الثغرة الأساسية في هذه العلاقة ، هو أنه يحيل مهمة الدفاع عن الأمة إلى السلطة السياسية من دون أي إشارة إلى دور المواطنين في حماية أمنهم الوطني .

ومن الجدير بالذكر أن هنري كيسنجر وزير الخارجية الأمريكي الأسبق يعتقد أن ”  الأمن يعني أي تصرفات يسعى المجتمع عن طريقها إلى حفظ حقه في البقاء”. وإذا التفتنا إلى خصوصية التجربة الأميركية، فإن كلمة مجتمع هنا قد تعني ما هو أكثر من مجموعة طوائف ومذاهب وأعراق ، بل مجتمعا من الأمم ارتضى أن يشكل دولة . أما “روبرت مكنمارا” وزير الدفاع الأمريكي الأسبق وأحد مفكري الإستراتيجية البارزين في كتابه “جوهر الأمن” فهو يقول: “إن الأمن يعني التطور والتنمية، سواء منها الاقتصادية أو الاجتماعية أو السياسية في ظل حماية مضمونة”.  فالتطور والتنمية حركة ناتجة عن إطلاق القدرات البشرية وتحريرها من قيود الكسل والجهل والفقر والمرض، في أجواء مفعمة بالحرية والإبداع العلمي والعملي، ووراء الإبداع العلمي حرية التفكير، ووراء الإبداع العملي حرية الإرادة والتنفيذ، وهنا تبرز العلاقة بين الأمن والحريات العامة، إذ لا تنمية بدون حريات، ولا أمن بدون تنمية، والعنف والتخلف وهدر الموارد نتائج طبيعية لكبت الحريات وبناء السدود أمام قدرات الأمة ، تتسم بالخوف والشك والتوجس في العلاقة ما بين المواطن وعناصر الاجهزة الامنية . والاسئلة المطروحة ازاء هذه العلاقة التي باتت واضحة اليوم وبعد عشر سنوات من التغيير في 2003 هل أن الاجهزة الامنية تسعى مرة اخرى الى بناء او ترسيخ في ذهن المواطن  نوع من الخوف  من الاجهزة الامنية وعناصرها ؟ لماذا بات اليوم الكل يخاف من الكل، الحكومة من الناس، والناس من بعضهم ؟ ؟ هل أن عملية فرض الامن تقضي بإرهاب الناس بحجة محاربة الإرهاب ؟

 ازاء تلك التساؤلات وغيرها نقول إن على الحكومة  أن تراقب مظاهر الرفض والغضب التي تتصاعد ضد هذه السياسات ، كما أن عليها عدم الذهاب الى استثمار الجريمة، أو الاعتداء الإرهابي، إعلاميا” و تسلط الضوء على الحدث، بمعزل عن أسبابه ، بغية التسويق لمزيد  من الإجراءات الأمنية أو لمزيد من الانتهاك للحريات المدنية والحرمات الشخصية، تحت مسمى الإجراءات الأمنية.

ان المواطن الخائف على أصل وجوده وبقائه، لا يناقش في كيفية البقاء، يعني لا يناقش النظام القائم على حراسة نمط حياته … فيما هو يريد أن يبقى بأي ثمن، الحياة بمعناها البيولوجي تصبح في هذا الإطار منحة يقدمها نظام الامن المستخدم يعكسها عناصره من خلال تعاليهم واستفزازهم للمواطنين وتوجسهم الغير مبرر منهم ! من هنا فان الحديث عن العلاقة بين الاجراءات الامنية والحقوق المدنية والحريات العامة، يصبح في ظل هذا النوع من الممارسات لونا من ألوان الترف الزائد، خصوصا” وان المواطن يعيش تحت ضغط قوانين وممارسات تتسم بالتخويف وتخوين المواطن بل وارهابه مثل قوانين المسائلة والعدالة ومكافحة الارهاب والسيطرات والتفتيش والمداهمات وصحة الصدور والكتل الكونكريتية والابواب الحديدية وكاميرات المراقبة والمنطقة الخضراء و المستمسكات الاربعة والفسفورة ….الخ .