نيكوتين السياسة

 

قبل مدة قصيرة اكتشفت ان الانزعاج هو نيكوتين تنتجه الاخبار او الاوضاع السياسية التي يمر بها العراق.وباستطاعة اي شخص ان يقوم بتجربة بسيطة لنقل جرثومة الانزعاج الى صديقه بسهولة كبيرة.

 

لو بدا احدنا يومه بالحديث عن مشاكل محددة مع ذكر بعض الارقام,ومقارنة هذه الارقام بارقام دول اخرى فان ما نلاحظه بعد دقائق ان المستمع الذي يشاركنا الحديث يبدأ بالتافف والضجر.انا هنا اكون ناقلا سلبيا تماما كما يشم الدخان الانسان الجالس مع اخر يدخن.انهما يتشاركان شم الدخان وان كان احدهما لا يدخن.

 

سيكون الانزعاج واضحا على الشخص المستمع,وعلى نبرة صوته,وطريقة كلامه.وفي النهاية يستسلم لعدوى الافكار او المشاكل التي انتقلت له.هذا الشخص سيكون هو الاخر ناقلا للعدوى السلبية دون ان يشعر.وهكذا نكون جميعا لاعبين وناقلين للافكار المزعجة دون ان نحس.ثم نظن اننا نشارك في عملية الاصلاح السياسي اذا تحدثنا عن اخطاء السياسة وسرقاتها في اي وقت وفي كل مكان.

 

ما نفعله كل يوم هو هذا:اطلاق سيل من الرسائل المزعجة الى الاخرين واستلام الكمية نفسها او اكثر في عملية نقل امينة لا تفقد تاثيرها ابدا.نحن نتفق ضمنيا على اسلوب خذ مني واخذ منك.يومنا يبدأ وينتهي بهذه الطريقة المالوفة والمتفق عليها.اننا نتشارك في حديث لن ينتهي ابدا.بل هو يكبر وينمو الى درجة انه بدا يشعرنا بالملل والحيرة.

 

ومن المفروض ان نقرا لافتات يكتب عليها ممنوع الحديث في السياسة على غرار اللافتات التي تحذر من ضرر التدخين ومنعه في الاماكن العامة.

 

لكن البعض يعتقد ان الحديث في السياسة يدل على ان الانسان متابع جيد للاوضاع العامة التي يعيشها.نعم قد يبدو هذا ظاهريا لكن حقيقة الامر ليست كذلك.ففي استراليا مثلا او النمسا او السويد ستكون شخصا بليدا لو لم تتعاطف مع حادث يعرض حياة البعض للموت.اما اذا تحدث الانسان عن مشاكل تبدو غير قابلة للحل بسبب ضعف امكانيات الدولة وقلة الشعور الوطني فهذا يعني ان الحياة لم تعد فكرة مقبولة.ان واقعية اية مشكلة تنحصر في كونها مشكلة وقعت بالرغم منا ولم نكن نملك حيلة على ايقافها.هذا كما اعتقد هو معنى المشكلة الواقعية.لكن مشاكلنا لا تندرج في هذا الباب,وانما تندرج في خانة المشكلة المزاجية اذ يقوم البعض بتهيئة بيئة حاضنة للسرقة او القتل او الاغتصاب او الاختلاس,او التلاعب بالمال العام.

 

يخلق العقل المتمرن على المنفعة اجواء نموذجية لارتكاب اي فحش سياسي يرغب به.ومن السهولة بمكان ان يجد تبريراته الخاصة على اي منكر يقوم به.هذا الابداع العام لصناعة فرص السلب والنهب هو ما نتحدث عنه كل صباح وكل مساء.نحن نكرر الدهاء السياسي في اية صفقة فاسدة او شحنة سكر مضروبة او اطنان من شاي يوزع وهو عبارة عن نشارة خشب.

 

المشكلة السياسية في العراق هي نيكوتين مزعج ننقله الى بعضنا البعض.ويعيش صاحب المعالي في مكان ارقى من دنيا المتشاركين في نيكوتين الانزعاج.