المنطق يقول إن المرتشي لايمارس تجاوزه لوحده فلا بد من طرف او أطراف تساعده في مسعاه، فالعملية لابد لها من طرفين ، ومن الوسطاء بينهما لتسهيل المهمة ، حيث تتوج العملية بإستلام المرتشي ، ما يتم الإتفاق عليه من رشوة ، يدفعها الراشي عن طيب خاطر، وقناعة بصحة عمله . عمله . والملاحظ ان يتم كل ذلك في سرية تامة ، ويحرص طرفاالعملية على كتمانها غاية الكتمان ، فيضيع الحابل بالنابل على حد قول المثل .ولكن لو امعنا التفكير في الآمر لوجدنا إن هذا الحرص على الكتمان والسرية نابع من شعورهما ، بأنهما يقومان بعمل غير سليم ,ومنافي للأعراف والقوانين ، لذلك فهما لايودان ان تقترن اسماؤهما واسماء الوسطاء بالعمل الردئ ،ومع ذلك وبرغم كل هذا التكتم فأن الذين يقومون بالأعمال المشينة ، سيكونون دائما خائفين ، مرعوبين ، بعكس الأسوياء من الناس الذين لايخافون لومة اللائم ، وهم لايخافون السلطان عملا بالمثل القائل "حرامي لا تصير من السلطان لا تخاف " .وعن الذين يهبرون بالمال العام باستخدام اعجب الطرق ومن خلال تفسير القانون حسبما يوفر لهم إمكانية هذا الهبر ، او من خلال القفز فوقه كما الآكروباتيك،فحدث ولا حرج، مستغلين مواقعهم العالية في السلم الوظيفي ، وصلاحياتهم في تحويل ومناقلة المليارات ما بين المصارف والخزائن المالية الأخرى . وهم يمارسون سرقاتهم بالغطاء القانوني او غيره وعلى عينك ياتاجر. السؤال الكبير المثار الآن وهو " لماذا يحدث ذلك ؟ " هل العلة في النظام الإداري لدينا ، بحيث إن ما نعانيه الآن ناتج عن مجموعة من التراكمات التاريخية ، التي وصلت الى نقطتها الحرجة ، فأكتسبت صفات جديدة فأحدثت فيها الطفرة ، ام في نظامنا السياسي القائم على توازن القوى ، الذي جوهره المحاصصة التي تثير شكوى الجميع ،ام في القيم والمفاهيم الجديدة التي ولدت مع الفورة في كل شئ له صلة بالنمو الصاعد للإقتصاد الريعي ،على حساب الإقتصاد المبني على المشاريع المنتجة ، وتصاعد حمى إستيراد االبضائع الصناعية والزراعية والخدمية ، فنحن نستورد كما تقول " الحسجة " العراقية (نحن نستورد كل شئ من الأبرة الى الطيارة " . ام قيام الموظفين الفاسدين بالإستقواء بمراكز القوى في المجتمع ؟ ام التعمد بتعطيل القوانين العراقية التي تعالج كل شاردة وواردة ولمجموعة من المظاهر الضارة إقتصاديا وإجتماعيا وإداريا ووضعت المعالجات القانونية والدستورية والإدارية لكل واحدة منها ؟ سبق لكاتب هذه السطور ان دعى الى تحالف برلماني ضد الفساد ..........1 ، وجرى على صعيد الواقع التحرك لعدد من القوى السياسية ، العراقية التي ارهقها موضوع الفساد وتبعاته والدعوة الى العمل في البرلمان من اجل الحد منه ، والى التعاون فيما بينها لمكافحته ، والحق يقال ان كل الكيانات السياسية تستنكر الفساد وتدعو لمحاربته ، وهذه نقطة إنطلاق جيدة لجعل الفساد غير مرحب به في المجتمع لاسيما ولدينا في تكوينات الدولة مؤسسات النزاهة ودائرة المفتش العام والمحاكم التي تنظر في الجنح والجنايات . ولدينا في العشائر العراقية مجموعة من التقاليد والقواعد الحميدة ،بنت عليها علاقتاها الثنائية وفي المجتمع ،حيث تستطيع القوى السياسية وبالتعاون مع العشائر من فرز المسيئين للمال العام . , ومع منظمات المجتمع المدني ومن فعالياتها الداعية لبناء المجتمع الحضاري المطلوب . ،وهذا التوجه يعد الأهم ،في الحراك العام ، ذلك لأن الحقوق ليست هدية تعطي ولاغنيمة تغتصب وإنما هي نتيجة حتمية للقيام بالواجب .........2 ، والواجب هنا يتمثل بالجهد الصادق لمحاربة الفساد ، الذي سيولد الرعب والخوف والتردد لدى الفاسدين والمتلاعبين في المال العام ،خوفا من الرأي الجماعي ، وبذلك سيكتب المجتمع في يقظته هذه بنود دستور حقوقه الذي يعني بالضرورة دستور الحق العام ، إذن المسألة مترابطة عندما تأخذ ابعادها السياسية والإجتماعية والحقوقية والدستورية ، وهذه ميزة المجتمعات الديمقراطية ، الناضجة ، والتي تتجسد الديمقراطية فيها بكل معانيها فهي بالإضافة لكونها الأداة الأنجح للتداول السلمي للسلطة ، فهي مجموعة اخرى من المستلزمات السياسية المحققة لإستقلال السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية عن بعضها البعض ، والمستلزمات الحقوقية التي تمكن المواطنين من ممارسة دورهم الرقابي على اداء العاملين في الدولة ومدى التزامهم بالقوانين العاملة في المجتمع بالشكل الذي لايسمح بالإفتراء من جهة ولا يسمح بالتلاعب بالقوانين والتجاوز على حقوق المواطنين . هنا ندخل في اشكالية قد تؤدي الى الكيدية والإستهداف لإسباب بعيدة عن الواقع ، ولمنع ذلك ارى من الضروري ان يصارالى تأسيس المكاتب القانونية التي تأخذ على عاتقها دراسة التجاوزات على الحقوق المالية العامة وغيرها ،وان تصل الشكاوي الى هذه المكاتب القانونية عن طريق منظمات الممجتمع المدني ، وكذلك عن طريق وسائل الإعلام ، وبعد الإقتناع بصحة الشكاوى تقدم الى هيئات النزاهة والى المحاكم المختصة. هذه مجرد فكرة اولية قابلة للتطوير والنقاش من ذوي الأختصاص ومن هيئات المجتمع المار ذكرها . المصادر 1) مقال لكاتب السطور بعنوان التحالف البرلماني المطلوب الآن وغدا منشور في موقع الناس رابط المقال
http://www.al-nnas.com/ARTICLE/AWahed/20k0.htm
2) افيلسوف الجزائري مالك بن نبي
|