الناس تطالب بتغيير الواقع الإجتماعي

 

لعل هناك من يريد من السياسيين، بأن يتبلور النشاط السياسي في خطيب وجمهور يسمع، وكلما كانت ألفاظ الخطبة أشد رنيناً، وكان الجمهور أعلى تصفيقاً، كانت (السياسة) أخلص وأصدق لأهدافها. وهناك من ( يتفلسف) ويقول أهم أركان السياسة هو (الأقتصاد) وأن هذا الأقتصاد جزء من نشاط الإنسان- فإذا أنت جعلت من كل إنسان في مجاله الخاص إنساناً أكمل بالنسبة لذلك المجال، فقد ضمنت أن يجيء كل ضروب نشاطه ، ومنها النشاط الاقتصادي- مسايراً لما يحقق للشعب أهدافه، إذ كيف يكون ” الاقتصاد ” ذا أولوية على حياة الأسرة وعلى القيم الثقافية والروح القومية ؟ أن هذه الخصائص كلها هي في حياة الناس بمثابة ما يسمى في مجال البحوث العلمية ” بالمتغير المستقل” وأما الاقتصاد فهو ” المتغير التابع″ يمعنى أنه كيفما يكون للإنسان في تلك الصفات فإن الاقتصاد يتغير تبعاً لها، وليست الحياة الاقتصادية هي التي تلد للإنسان خصائصه المثلى. وبعد كيف تدعي الأحزاب السياسية حيثما كانت، أنها تؤدي واجبها السياسي وحولها الأطفال غير المرغوب في ولادتهم يولدون بالألاف كل يوم، ويولدون لمن؟ يولدون لآباء وأمهات لم يكن من حظهم نصيب من التعليم الذي يضمن لهم حداً أدنى من رعاية هؤلاء الأطفال؟ فلا الأحزاب جعلت سياستها أن تهيئ لهؤلاء وسائل التعليم، ولا هي بالتالي أفلحت في تحديد النسل لتتمكن من تأمين أحتياجات أسرهم. وكيف تدعي الأحزاب حيثما كانت، إنها تؤدي واجبها السياسي وحولها الشباب في حالة من التهلكة والضياع، تزداد بينهم الجريمة والعنف والأنحراف ؟ أن هذه الأمور لا تسقط على رؤوس الشباب مع المطر النازل من السحاب، بل هي مبثقة من ظروف أرضية يعيشونها، وكيف تدعي الأحزاب حيثما كانت، أنها تؤدي واجبها السياسي وتطالب بالمزيد من المكاسب المادية والمعنوية لها ولأسرهم ولمن حولهم ومن لف لفهم وشعارهم  كنار جهنم( هل من مزيد) وهناك أكثر من أربع ملايين عراقي مهجر داخل وطنه وخارجه وهم في حالة من البؤس والشقاء ليكونوا عالة على  صدقات المنظمات الإنسانية والدول المجاورة تمارس ضدهم شتى الممارسات غير الإنسانية، متناسين أن مواطنيهم كانوا بوماً ما يتمتعون بنعيم العراق على حساب رجاله وشبابه الذين كانوا يساقون (كالخراف) إلى مجازر الحروب وكل ما قيل ويقال لا يعدو عن كونه مزايدات سياسية وخلق مناسبة لسفرات سياحية واستعراضية على حساب معاناة المهجرين!! وإذن (فالسياسة) هي أن نرى كيف تتغير هذه الظروف ويعود للشعب كرامته وإنسانيته..!  وصفوة القول .. هي أن علم السياسة هو نفسه علم تغيير الواقع الاجتماعي، وأن هذا الواقع الاجتماعي ليس من الأشباح الهائمة في ضوء القمر، بل هو أنت وهم وهن الواقع الاجتماعي هو إسماعيل وإبراهيم وزينب وفاطمة، وإذن فلكي يتغير الواقع الاجتماعي فلا بد أن يتغير هؤلاء، ويأخذ كل واحد منهم دوره في المجتمع وبما يستحقه كإنسان. في أن يتغيروا من جهل إلى معرفة مسغبة إلى يسر، ومن خمول إلى نشاط ومن غيبوبة إلى وعي، ومن فقدان الثقة إلى ثقة خالصة، والسياسة هي أن نصنع لهم هذا التغيير وأن نجعلهم يصنعونه لأنفسهم . العبرة كلها هي بالفرد الواحد، وبالمجموعة الواحدة، وبالحي الواحد، وبالمدينة الواحدة وهذا ينسحب على المؤسسات وعلى الأحزاب كافة أن تعيد النظر في برامجها إذا كان لديها برنامج أصلاً وتقوّم عملها وفق واقع الناس الذين تتكلم بأسمهم زوراً . كل وحدة من هذه الوحدات تصلح من نفسها وكأنها الأمة العراقية كلها بل وكأنها الإنسانية كلها. فيصلح الكل، وتلك هي السياسة، ولا سياسة هناك لو ملأت مئة ألف مجلد بالخطب والمنشورات والمحاضر والتعليمات، ثم ننظر إلى تلك الوحدات فإذا هي على حالها أو أشد سوءاً، فالمعول كله هو على الوحدة الصغيرة الواحدة (الأسرة- المؤسسة-الحزب) كيف تسلك، حتى في الحالات التي تستهدف فيها المجموع كله، فماذا يبقى من المجموع ليتغير إذا تغيرت وحداته وهي فردى؟ ماذا يبقى لك من الكتاب لتستوعبه إذا أستوعبت فصوله؟ ماذا يبقى من البستان ليزدهر إذا أزدهرت كل نبته فيه؟ ماذا يبقى للجماهير أن تطالب به بعد أن تحصل على حقوقها وكرامتها، أنه لمن أخطر مزالق الخطأ في التفكير، أن تضع أمامك أسماء المجموعات إلى جانب أسماء أفرادها ثم تتوهم أن لكل مجموعة منها كياناً غير كيانات أفرادها، فالأمة هي أبناؤها، والكتاب هو فصوله، والبستان هو ما ينبت فيه، فمسيرة ألف ميل تبدأ بخطوة، وهل بأستطاعة من أوكلت إليهم المسؤولية، أن يبدأوا بهذه الخطوة الجادة والجريئة نحو الحياة الحرة الكريمة لشعب يكاد يفقد ظله في هذا الزمن الصعب!