في الظاهرة السياسية

 

الظاهرةPhenomenon  كمصطلح مجرد يمكن تعريفها على أنها حدث او مجموعة احداث تختلف عن السائد المألوف يقوم بها أو يحدثها شخص أو مجموعة أشخاص بحيث يمكن تمييزها و رصدها عما سواها باستخدام استبيانات و جمع معلومات او باستخدام اجهزة و معدات خاصة (كما في بعض الظواهر الفيزياوية ) و تحدث تأثيرا ايجابيا او سلبيا في الوسط  الذي تحدث فيه. و هناك الى جانب الكثير، ظواهر طبيعية و اجتماعية وسياسية و تتداخل الأخيرتان بشكل واضح في كثير من المفاصل فالظاهرة السياسية تحدث داخل مجتمع محدد يُحدث الأفراد فيه تاثيرا سياسيا لكن لا يمكن بطبيعة الحال القول أن كل الظواهر الإجتماعية هي سياسية بالضرورة

 

أسوق هذه المقدمة المبسطة و أنا أعيد للمرة الثالثة متابعة لقاءات متلفزة على اليوتيوب مع شخصيةِ سياسيٍ بارز يلملم اوراقه للرحيل ومغادرة المنصب بعد أن أثار كثيرا من الجدل حول طبيعة ومؤهلات الشخصيات التي تستلم مناصب عليا (نطلق عليهم خطأ صفة سياسيين، حسنا لنسمه كذلك من أجل توضيح الفكرة مادامت هذه هي تسميته الشائعة) في محاولة لتصنيف هذا النوع من المسؤولين لأن المحيّر حقاً أن المراقب الذي يريد رصد ظاهرة ما و يبدأ بتبويب أوراق استبيانه يضيع عليه رأس الخيط في فوضى سلوك هذه الشخصية التي تفضحها تصريحاته و شطحاته  فعندما أفترض أنني اتابع في هذا اللقاء التلفزيوني شخصية سياسية تتحدث عن نهج الحزب الذي ينتمي اليه على فرض أن حزبه لديه رؤية خاصة بهذا الموضوع تختلف عن الآخرين لتسيير مؤسسة ضخمة أمامها مهمات جسيمة و تتحمل مسؤولية ميزانية بمليارات الدولارات يفاجئني بالحديث عن مسبحته و عدد الفتيات المعجبات به فانتقل من تحليل الظاهرة السياسية لأتطفل على اختصاص آخرين يرصدون الظواهر الاجتماعية لأتبين أمام اية شخصية نحن. أرفع سماعة التلفون لأستانس برأي زميل يرصد الظواهر الاجتماعية لأجده مشغولا بالتحدث مع زميل ثالث يرصد الظواهر الدينية لتقييم اداء نفس المسؤول الذي اراقب اداءه و قد استبدل مسبحته باهظة الثمن في احدى المناسبات بمسبحة 101 مصنوعة من الطين و بدلته الأنيقة بدشداشة سوداء و عطر الكارييه الذي يستخدمه كما قال في لقائه التلفزيوني ببهارات القيمة غاضا البصر لبعض الوقت عن جموع المعجبات

 

لدينا من هذه العينة ما نملأ به قاعة بسعة المسرح الوطني و كل واحد منهم ( قهره شكل ) لكنهم يلتقون جميعا في انهم يحدثون تأثيرا سلبيا في الوسط الذي يعيشون فيه فهل يمكن اعتبارهم ” ظاهرة سياسية ” استنادا للتعريف اعلاه

 

لو كانوا سياسيين حقا لجاز القول أن كل واحد منهم ظاهرة سياسية على طريقته الخاصة، لكن من منهم سياسي حقا ؟

 

ليست لدينا ظواهر سياسية  رغم ان كل ما قدمناه الى العالم خلال عقد ونيف من الزمان يختلف عن السائد و المألوف، شاهدنا سياسيا  يتباهى بمسبحته و مسؤولا يشتم مذيعا على الهواء و مسؤلا يتصنع عدم سمع سؤال المذيع المحرج ثم ينزع المايك من سترته و يهرب من الستوديو على الهواء و شاهدنا مسؤولا يتباهى بضعته (لا بتواضعه ) و أيضا شاهدنا مسؤولا يبالغ في تواضعه متصنعا قربه من الناس و مسؤولا يتباهى بزعمه التعمق في التدين رغم ان ذلك ليس من أساسيات عمله و لا يهم المواطن بشيء… و شاهدنا مهاترات مفضوحة بين رموز العملية السياسية مبنية على اسس التسقيط و مستفيدة من المد المذهبي و القومي و المناطقي والعشائري الذي أرسوا دعائمه، لكننا لم نر سياسيا يصنع مجدا سياسيا لا لنفسه و لا لحزبه و لا لبلده. فإذا أردنا اعتبار ما نراه ظاهرة سياسية لأنها احدثت تاثيرا سلبيا نكون ايضا قد خالفنا الحقيقة لأننا تجاوزنا بالاصل على مصطلح (سياسي) في توصيفنا لأناس لا يعرفون شيئا عن السياسة كعلم