الـضميـر والـنفس اللـوامـة

 

نحن نعيش في مجتمع مملوء بالهموم والآلام، ولكن همومنا مختلفة، ومعاناتنا جماعية ومنفردة أيضاً، ولكن الحلول تأتي دائماً من وقت لآخر، فالإنسان يبحث هنا وهناك عن مخرج خاص به، وهذا لا يجعلنا عاجزون أمام طموحاتنا وأمالنا، لكن لابد أن تكون هناك نظرة ثاقبة متأملة متأنية على أحوالنا.

.. فجتمعاتنا عليها أن تدرك أن الإصلاح وتدارك الأخطاء وإيقاظ الضمير الخاص والعام هو مسئولية شخصية وجماعية، يتضامن فيها الجميع، من هنا لابد أن أدرك وندرك جميعاً هذا اللفظ القرآني العظيم (النفس اللوامة) التي هي الرقيب للإنسان التي تحاسب الإنسان بداخله حساباً عسيراً عما يدور في داخله من سلوكيات وممارسات يأباها الضمير سواء الشخصي أو العام. فالضمير هو الحاضر المتين الصلب أمام أشكال الإنحلال والفساد والجرائم والآثام والنصب والاحتيال، فالإنسان صاحب الضمير والخلق يلتزم أمام الله سبحانه وتعالى من مخالفة أي أشكال السوء في المجتمع وبين الأفراد والأسرة، فإن مخافة الله والعقاب في الآخرة هي ثمة يمكن أن نتلزم ويلتزم بها الجميع، وضمائرنا وهكذا يكون هذا هو الضمير الشخصي، بل الضمير المجتمعي العام.

بلا شك إن المجتمع مملوء بالرشوة والفساد والإنحراف يسود في كل مكان، والمجتمعات لا تستقيم أمورها بالقوانين فقط، لا.. بل هناك من هو أقوى من القانون، الضمير الذي يشكل أساساً ودرعاً صامتاًَ ضد الفساد والنصب والاحتيال. وكثيراً ما تصادفني أناس كثيرون يترحمون على الماضي وأحوال المستقبل الذي يحمل بالنسبة لهم المعاني النبيلة والجميلة، ولكن دعني أقول أن هؤلاء كانت تربطهم خلال الماضي أهداف واحدة وهي العيش بدون متاعب، ولكن أنتشر النصب والاحتيال على المواطنين والقانون غير منصف للضحايا، وهنا الضمير المميت والميت بين الناس كثر وكثرت الفواحش والجرائم وعدم القيام بالأعمال الخاصة التي يقوم بها الموظف أو العامل أو أصحاب الأعمال. قد لا ينتصر الضمير بين هؤلاء، ولكن عندما تتسع الفجوة والألعيب بين الناس، فأنك لابد أن تجد من ينصح ويعاتب ويرشد الآخرين وهنا تلعب (النفس اللوامة) الدور الذي تقوم به لهداة الإنسانية والأخلاق والضمير العام والخاص.

ومن المعروف والمتبع إن الخلق هو الدمعة التي تنزف من عينيك وهي الدمعة التي ترقرق قلبك، كلما وقع نظرك على منظر من مناظر البؤس أو أحد مشاهد الشقاء التي تراها في الناس وبين الناس. هكذا هو الضمير هو القلق الذي يساور قلبك وعقلك كلما ذكر أنه رد سائلاً محتاجاً أو أساء إلى ضعيف مسكين أو قام بعمل فيه مفسدة له ولغيره من الناس. فمضائرنا هي الصرخة التي نصرخها ضد أي أبي في وجه من يحاول نشر الدسائس والخيانة وزعزة الأستقرار داخل الوطن. فمن أراد أن يعلم الناس أين مكارم الأخلاق فليحيى ضمائرهم وليبث في نفوسهم الشعور والإحساس بحب الفضيلة والعمل الصالح والابتعاد عن الرذائل بأية وسيلة وحيلة شاء، فالفضيلة هي ملكات تصدر عن النبلاء والمخلصين وهي الشعاع الذي ينير الطريق لأصحاب الضمير.

إن العظمة الحقيقية أن يستقر الإنسان على ما تربى عليه من تربية توحى وتوصى بإحياء الضمير بداخله والإخلاص في العمل الذي يقوم به الإنسان، وليعلم الإنسان أن الله عز وجل لا يهب الحكمة والمعرفة إلاّ للإنسان الذي تعود الإحسان والإخلاص في عمله وخاف الله في شئونه كلها. فشعور الإنسان أنه مسؤول أمام الله وضميره عما يجب أن يفعله ويحس به.

.. وعلى المجتمع أن يتوجه توجهاً عاماً نحو تنقية الضمير، بل الضمير العام، لكي نخرج من أزمة الضمير، حتى نطمئن على مستقبل نملكه ونتركه لأولادنا، علينا أن نسرع وننطلق من ضميرنا الخاص إلى ضميرنا العام نحو مجتمعاتنا وأوطاننا وأمتنا.

ونعلم جميعاً أن الله قد طلب من عباده أن ينقوا سرائرهم من كل غش وسوء في الأعمال بين الناس في حياتهم اليومية، وأن يحفظوا بواطنهم من كل كدر وأن يتحصنوا من كيد الشيطان بمضاعفة الليقظة وإخلاص العمل فيما يقوموا به وصدق التوجه إليه جل شأنه.. هكذا يحيا الضمير بين زوجتك وأولادك وعملك ووطنك