التحالف السعودي ضد اليمن وتغذية التطرف والحرب |
مركز المستقبل للدراسات الاستراتيجية
تقود المملكة العربية السعودية تحالفا عسكريا ضد ما تسميه (تمرد الجماعة الحوثية) التي توسعت وتمددت على حساب القوى السياسية الأخرى في اليمن، بعد فشل الحوارات الوطنية اليمنية، أهداف الضربات الجوية بحسب ما أعلنته قيادة قوات التحالف العسكري بقيادة المملكة العربية السعودية تتمثل في الحفاظ على شرعية الرئيس المنتخب، عبد ربه منصور هادي، وحماية الشعب اليمني من المليشيات الحوثية والقوات الموالية للرئيس السابق، علي عبد الله صالح٬ وأن الضربات لا تستهدف البنية التحتية اليمنية أو الشعب اليمني، وإنما ستكون ضربات مركزة تستهدف القدرات العسكرية للمليشيات الحوثية وقوات صالح. وصرح مسؤولون سياسيون في السعودية والخليج أن الضربات الجوية أتت بعد استنفاذ كل النداءات والدعوات التي وجهت إلى الحوثيين من أجل التفاوض مع حكومة هادي والابتعاد عن فرض سياسة الأمر الواقع باستخدام القوة العسكرية. هذا الهجوم السعودي، الجوي والبحري على اليمن أدى بحسب المنظمات الإنسانية إلى قتل الآلاف من المدنيين، وتجويع الملايين منهم، وتدمير البنى التحتية وتلويث البيئة اليمنية، ناهيك عن الخسائر المادية الكبيرة التي أصابت الاقتصاد اليمني بالخصوص أن اليمن يعد من الدول الأفقر في الشرق الأوسط. فقد قدر مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي في اليمن خسائر اقتصاد البلاد منذ بدء عملية عاصفة الحزم يوم 26 مارس/آذار الماضي، بأكثر من مليار دولار، ولا يتضمن هذا الرقم تقديرا للخسائر في الجانب العسكري، وسط تحذيرات دولية من انهيار اليمن اقتصاديا. وأشار المركز -وهو منظمة محلية غير حكومية- في تقرير له إلى أن الاقتصاد اليمني أصيب بحالة ركود شبه كلي إثر تضرر عدد من المنشآت الاقتصادية، وانعدام النقد الأجنبي في السوق اليمنية، وتوقف الموانئ البحرية والجوية عن استيراد وتصدير السلع والمنتجات من وإلى اليمن. وتوقع المركز أن يفوق عدد المواطنين الذين هم بحاجة إلى مساعدات إنسانية عاجلة 12 مليونا، وأن تتجاوز نسبة الفقر 60% لمن يعيشون على أقل من دولارين في اليوم. والسؤال هنا هل أن عزوف الأطراف والمكونات اليمنية السياسية عن الحوار، وغلبة أحد هذه الأطراف على الأطراف الأخرى وسيطرته على العاصمة صنعاء يمكن أن يكون مبررا للسعودية والدول العربية أن تتدخل في الشأن السعودية؟ هل يصلح طلب الرئيس اليمني المستقيل من السعودية ضرب خصومه السياسيين سببا مقبولا لضرب الشعب اليمني والبنى التحتية اليمنية والتجمعات المدنية اليمنية التي يعتقد أنها موالية للجماعة الحوثية؟ هل يكون تحالف الحوثيين مع إيران كما تقول السعودية وخصوم الحوثيين مبررا للتدخل العسكري السعودي لتعديل ميزان القوى لصالح المكونات السياسية اليمنية المتحالفة مع السعودية؟ هل ما تستشعره الحكومة السعودية من وجود خطر يداهم الأمن القومي السعودي في حال تنامي النفوذ الحوثي في اليمن يمكن أن يكون سببا وجيها لان تبادر السعودية بضرب اليمنيين..؟ يرى بعض المحليين السياسيين أن "الحفاظ على شرعية الرئيس هادي والدفاع عن الشعب اليمني كانت من العوامل التي دفعت إلى التدخل في اليمن، لكن التهديد الذي يشكله الحوثيون للأمن القومي للمملكة العربية السعودية على وجه الخصوص، والمنطقة العربية بشكل عام، كان ذات أهمية قصوى، ففي ظل نفوذها غير المسبوق في العراق، لا يمكن السماح لإيران بالسيطرة على شبه الجزيرة العربية وإعاقة التقدم الذي شهده اليمن في السنوات الأخيرة، وهذا هو بالضبط ما يمكن أن يفعله الحوثيون، الذين يمثلون أقلية في اليمن، لو كان الأمر بيدهم". يعتقد البعض أن السعودية ارتكزت في دعم حملتها العسكرية على اليمن وروجت لتبرير تلك الحملة على دعايتين أساسيتين: الأولى ذات بُعد داخلي تتعلق بدعم الجبهة السعودية الداخلية وهي دعاية موجبه بشكل أساسي للشعب السعودي. والثانية ذات بُعد خارجي وهي متعلقة بالجبهة الخارجية السعودية وهي موجبه بشكل أساسي لكسب ود الشعوب الخليجية والعربية والإسلامية او (العالم السني) على وجه الخصوص. ففيما يتعلق بالسبب الاول، فقد استطاعت الحكومة السعودية من خلال وسائل إعلامها المختلفة أن توحي للشعب السعودي أو على الأقل لغالبية السعوديين بان العدو القادم للشعب السعودي هم الحوثيون، وأن هؤلاء كلما نموا وكبروا وتوغلوا في اليمن فان الأمن القومي السعودي يزداد خطرا، بالخصوص أن هناك حروب سابقة خاضتها السعودية مع الحوثيين في السنوات الماضية، وبالتالي من المنطقي أن تبادر السعودية بضرب الحوثين من أجل تقليم أظافرهم وتقليل نفوذهم لكي لا يشكلوا في المستقبل خطرا على مستقبل الأمن القومي السعودي. والسبب الثاني المهم الذي روجت له السعودية لتبرير حملتها العسكرية العدائية على الشعب اليمني هو الخطر الذي يمثله الحوثيون على الشعوب العربية والإسلامية القائمة على أساس طائفي؛ حيث توحي السعودية وبشكل منهجي أنها المدافع الأول عن المذهب السني في مقابل المذهب الشيعي الذي تتزعمه إيران. وبالتالي، فان من المهم أن تنازل السعودية وأنصارها من العالم العربي والإسلامي السني أنصار المذهب الشيعي والذي تمثله بطريقة أو أخرى الزيدية بالخصوص الجماعة الحوثية في اليمن!... فإذا كانت إيران قد حققا انتصارا مذهبيا وسياسيا في كل من العراق والبنان وسورية والبحرين وبعض الدول العربية الأخرى فلا يجب أن يسمح لها أن تطوق العالم السني وقيادته الممثلة في المملكة العربية السعودية. وقد نجحت وسائل الإعلام السعودية في التأثير الكبير على الرأي العام العربي والإسلامي السني، وأوحت أن النصر على الحوثين في اليمن هو نصر أهل السنة على أهل الشيعة وهو ما يعطي بارقة أمل في تراجع أنصار المذهب الشيعي في الساحة السنية المخترقة منذ فترة طويلة. إذن يمكن القول إن الأسباب المعلنة للسعودية في الاعتداء اليمن هي حماية الأمن القومي السعودي أولا، والدفاع عن المذهب السني في مقابل المذهب الشيعي الذي تتزعمه إيران مضافا إلى تلبية دعوة الرئيس المستقيل عبد ربه في الحد من تمدد الحوثين لإرغامهم على الجلوس على طاولة الحوار. ومع أن هذه الأسباب قد وجدت أذن صاغية لدى السعوديين والعرب على حد سواء، بينما يؤكد المخالفون للضربة العسكرية أن هدفها هو رغبة آل سعود في التمدد والسيطرة على اليمن إلا أن القليل من التفكير يمكن أن يقودنا إلى أسباب ربما تكون هي الدوافع الحقيقية لهجوم السعوديين على الشعب اليمني!. منها أن الحكومة السعودية والكثير من أصدقاء الغربيين كانوا يدركون جيدا أن التغييرات السياسية والاجتماعية التي طرأت على الدول العربية، كان ينبغي أن تبدأ من السعودية ومن وقت طويل؛ لان مقومات التغيير السياسي والأيدلوجي متوفرة في السعودية أكثر من غيرها من الدول التي شهدت ما يعرف بالربيع العربي. فالسعودية في معايير إدارة الحكم الحديثة تعد من أول الحكومات المستبدة والخانقة لحريات شعبها، فهي لا تؤمن بالحرية السياسية والحزبية ولا تعطي هامش من الحرية الاجتماعية وتقيد الحرية الشخصية؛ وأن السعوديين بمختلف أطيافهم الدينية والسياسية أكثر الشعوب تعرضا للاضطهاد. كما أن الأفكار والأيدلوجيات المتطرفة التي يتبناها عدد غير قليل من السعوديين نمت وترعرعت وكبرت في السعودية وكلما تأصلت تلك الأيدلوجيات المتطرفة وتوسعت كلما شكلت خطرا فادحا على النظام السعودي الملكي، وهذه الحقيقة مفهومة ومعلومة لدى الأجهزة الأمنية السعودية. وبالتالي، لكي تتخلص الحكومة السعودية من ضغوطات الشعب السعودي المستمرة والراغب بالتغيير السياسي والتخلص من المتشددين من حكومة آل سعود، فان الأجهزة الأمنية السعودية والمخابرات السعودية فكرت بنقل تلك المعركة المحتملة من الداخل السعودي إلى الداخل العربي والإسلامي، ودفعت بكل المتطرفين السعوديين الراغبين بالتغيير إلى تلك البلاد التي تعيش أوضاع سياسية معقدة بسبب الاحتلال أو بسبب صراعات ونزاعات داخلية وأوحت للجميع أن التغيير في السعودية غير ممكن وغير وارد في المستقبل القريب ما لم تحدث تغيرات أولا في تلك البلاد المأزومة أصلا. وبالتالي، فان المخابرات السعودية عملت منذ فترة طويلة على نقل الرجال المتطرفين والأموال والأفكار من السعودية إلى حدود الدول الأخرى مثل أفغانستان وباكستان والعراق ولبنان والبحرين ومصر واليمن وغيرها من الدول العربية والإسلامية على أمل أن لا يحدث التغيير السياسي في السعودية يوما ما!. في ذلك الوقت كانت السعودية تكتفي بالتنسيق والتعاون مع الجهات المتطرفة في الخارج، ولعبتها هذه مازالت مستمرة في كثير من البلدان العربية.. وتضرب بيد من حديد كل من يعارض النظام السعودية ولو بكلمة أو كتابة دون أن يلتفت العالم إلى ما تقوم به السعودية ضد معارضيها في الداخل. ولكن لما وجدت السعودية أن جهودها وأموالها ورجالها في كثير من تلك البلدان لم يستطيعوا أن يحققوا ما ترغب به المخابرات السعودي بل أن الكثير من التنظيمات الإرهابية التي تبنتها السعودية انقلبت عليها في لحظة ما مثل القاعدة والداعش والنصرة وغيرهم ولم تعد هذه التنظيمات تلبي رغبة آل السعود في الحفاظ على عرش السعودية لم يبق أمامها إلا أن تتدخل بشكل مباشر تلك الدول، كما يحدث اليوم في مع الاستمرار في دعم أنصارها من اليمنيين وستضطر في النهاية إلى التدخل العسكري البري. وبالتالي فان الحكومة السعودية تجد نفسها مضطرة بحكم الواقع التعليمي والأيدلوجي في السعودية والذي من الصعب أن تتحكم به إلى تغذية الصراعات الطائفية والمذهبية والسياسية في العالم العربي والإسلامي والتي أدت ومازالت تؤدي إلى مزيد من الدماء وقسمت الشعوب العربية إلى شيعي وسني ومسلم ومسيحي وموالي ورافض... وإذا كان الأمر كذلك فان الحلول المقترحة هي: 1 - ضرورة أن تحترم الأنظمة العربية والإسلامية مواطنيها أيا كانت انتماءاتهم الدينية والمذهبية والقومية وان تشجع مبدأ المواطنة والحقوق والواجبات دون تفريق. 2- ضرورة نبذ التطرف والعنف بكل صوره وإشكاله، وان لا يكون هناك مكان آمن لمن يريد يحقق أهدافه عن طريق القوة والقهر والغلبة والعمل على تفعيل مبدأ الحوار أولا والحوار آخرا. 3 - ضرورة التأكيد على عدم التدخل في شؤون الدول الأخرى، وتشجيع الحوار بين الأطراف المتنازعة |