قبل فوات الأوان |
لأني لست وكيلا لمرجع ديني أعلى أو حتى أدنى ، اتقاضى منه مرتباً شهريا على وظيفة الكتابة ، ولأني لست عاملا في مؤسسة اعلامية حكومية مهمتها تحشيد الرأي العام وتعبئته لأهداف سياسية ، ولأني لا ارى سببا وجيها للعب على عقول الاخرين بالحديث المعسول وتزويق الدنيا ، اراني ملزما بمصارحتهم بحقيقة ما يجري اليوم على الارض . ولا يعنيني كثيرا ان رضي عني زيد أم غضب عبيد ، فالحكمة ضالتي ، وحيثما وجدتها فأنا احق بها من سواي . يحلو للبعض ان يصور الوضع في عراق اليوم وكأن المشكلة التي نعاني منها من الفها الى يائها هي المساحات التي احتلها تنظيم الدولة الاسلامية "داعش" منذ نحو عام ومايزال يعض عليها بالنواجذ في غرب وشمال غرب العراق . نعم انها مشكلة كبيرة وقد حقق الجيش العراقي ومتطوعون وعشائريون غيارى انجازات كبيرة في استعادة ما قضم من اراض على حين غرة وخاصة في محافظة صلاح الدين . اتساءل ، هل كان الوضع في البلد سمنا على عسل قبل حزيران ٢٠١٤ وكارثة الموصل ؟ هبوا اننا استعدنا السيطرة على جميع انحاء العراق من داعش وارسلنا مسلحي التنظيم الاجرامي الى قعر الجحيم بلا رجعة ، هل هذا يعني اننا عدنا الى بلد متماسك لا يهمنا شيء فيه سوى التنمية ومنافسة المانيا على منجزها الاقتصادي المذهل !! اقصى ما نطمح اليه اليوم هو العودة - لو عدنا وهذا مستحيل - الى وضعنا ما قبل عام تقريبا ، اي ايار الفين واربعة عشر ، مع فارق طفيف وهو وجود السيد حيدر العبادي على راس السلطة التنفيذية بدلا عن الحجي ابو اسراء رئيس الوزراء السابق . عقلُ اصغر بعوضة في هور الچبايش يدرك ان المشكلة الحقيقية في العراق ليست داعش ولا فاحش . واصغر خلية في عقل هذه البعوضة تعرف ان الأزمة الحقيقة في هذا البلد منشأها تركيبته السكانية الحقيرة التي خلقت نفوسا موغرة تضمر لبعضها حقدا تاريخيا لا يزيده تعاقب السنين الا غلا و ضغينة . متى يصارح اعلام التضليل الشعب بان اسقاط صدام حسين في مثل هذه الايام قبل درزن سنوات لا يريده البعض ان يمر من دون عقاب !!! خاصة وان هذه المهمة نفذت عبر الاستقواء بالاجنبي !!! متى يعترف البعض ان ملايين العراقيين مستعدون ليتحملوا اصر داعش وچنگيز خان و هولاكو مجتمعين ولا يتحملون حكم مخلوق يرونه انسانا من الدرجة الثانية ناهيك عن ان يكون مواطنا من الدرجة الثانية !!! متى يقتنع البعض ان استخدام عبارة "انفسنا" بدلا عن اخواننا لا تزحزحزح قشة من موقعها ، وجزى الله الامام السيستاني خير الجزاء ان أوعز بها ، لكن ما يسهل قوله على الالسن لا يعني بالضرورة سهولة هضمه نفسيا . الانقسام اليوم اكبر من ان تجمّله عبارة ، وهو ادهى وامر من الانقسام الذي عصف بالعراق بعد تفجير مرقد الامامين العسكريين "عليهما السلام" منتصف العقد الماضي . والقفز على هذه الحقائق والتعامل معها بمنطق راس النعامة لا يزيدنا الا كارثة فوق كارثة فوق كارثة حتى ياتي اليوم الذي نخرج فيه ايدينا فلا نكاد نراها من طبقات الظلمات المتراكمة فوق بعض . لكي نعرف حجم ما ينتظرنا من أهوال و دواه عظمى ، يكفي ان نلقي بنظرة خاطفة الى المناطق التي استحوذ عليها "اخوتنا" الكرد ، في مناطق اخوتنا التركمان ، بعد سيطرة انفسنا الدواعش على غرب وشمال غرب العراق . آنذاك سيكون الحديث عن تطبيع الوضع في كركوك وانتزاعها من قبضة اخوتنا البيشمركه المؤتمرين بامر أخينا كاك مسعود ، حديثا لا يليق الا بالأوّل من ابريل فقط !!! االضحايا منا ومن انفسنا واخوتنا تتضاعف اعدادها يوميا، نزيف الدم لا يتوقف ، نزيف الموارد لا حدود له ، الجوع يسحق عائلات باكملها دون ان نعرف عنها شيئا ، القنوط لدى الجيل القادم مستفحل حيث الافاق مطبقة على ظلام دامس ، حتى لادنى طماح غير مضمون "الجواهري" ، النفوس مشحونة وقد وضعت سباباتها على زناد سيأتي . مقبرة وادي السلام ضاقت بها الارض فوسعت رقعتها الى ماشاء الله . الاقتصاد في حال يرثى لها و لايمكن ان تنطبق عليه المعايير الدولية للانكماش او التراجع او الانهيار ، فالدول التي تعتمد على النفط كمورد وحيد لا يسمح لها ان تنافس الاخريات في حلبات الاقتصاد العالمي وهذه العدالة بعينها . ترى، لماذا هذا الاهدار المتعمد بالارواح والاموال والوقت ؟ الم يأمرنا القرآن الكريم بـ " فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان" ... ام ان القرآن يولي زوجين اثنين من الاهتمام ما لا يوليه لشعوب برمتها . شعوبٍ باتت لا تستمرىء الا خداع النفس والضحك على ذقونها بكل فنون البلاغة والبديع والبيان . أمرتهم أمري بمنعرج اللوى... فلم يستبينوا الرشد إلّا ضحى الغد ، ولات حين مندم
|