كل شيء في عراقنا الكبير اصبح خاضعاً للتوافقات السياسية المتناقضة والمتعددة .. والتي تتأثر بالتحديات الطائفية التي ترافق الاداء السياسي لتكون حصيلة هذه التوافقات عاملاً معرقلاً مقصوداً لعجلة التطور والاستثمار والرفاه وليس كما يراد لها ان تكون حلاً للمعوقات بل ووسيلة لمشاركة الجميع في اتخاذ القرار الصائب. ويمكننا ان نتابع المشهد السياسي في العراق ان نلحظ بأن تحقيق التوافق السياسي يسهم كل مرة في تأخير قرارات واستحقاقات وطنية صرفة ومطلوبة يحتاجها الشعب منها (اقرار الموازنة العامة) للعام الحالي والتي تتأخر كل عام لاشهر بسبب فقدان الثقة بل عدم التوافق والرغبة الصادقة من قبل جميع القوى الضالعة في الحكم والمتسلطة على الدولة.. وكذلك يعد النظام التوافقي الذي يحكم الواقع السياسي لذوي الشأن هنا في العراق الجديد المضطرب سبباً في تأخير العديد من القوانين الحديثة والمتطورة ولا ننسى كيف اصبحت الحكومة ابان تكوينها معطلة لمدة 8 شهور متتالية والتأخر في تسمية الوزراء الأمنيين لحد هذا الموضوع.. فضلا عن تعطيل العديد من الاستحقاقات ومنها العمل في (تعداد السكان) الذي يحتاجه العراق كبلد يحاول الوقوف على قدميه من جديد لاعادة البنى التحتية المشلولة المدمرة جراء الاحتلال البغيض على العراق مطلع العام 2003 وازالة الكابوس المظلم لعقود سحيقة.. والموروث الثقيل على الواقع الاقتصادي والديون المترتبة على الشعب العراقي جراء الحروب المدمرة مع دول الجوار.. مع العلم ان عملية البناء والتطور السليمة يجب ان تستند الى بيانات رقمية صحيحة واحصائيات حسابية دقيقة لعدد السكان وتوزيعهم الجغرافي فضلا عن عدد كبير من المعلومات المطلوبة لاغراض الاحصاء التنموي الاجتماعي والتربوي والثقافي.. وتلك المطلوبات لا يمكن التخمين بها ان لم تكن احصاء بيانياً ميدانياً.. ذلك الاجراء الذي خضع هو الاخر الى عملية (المد والجزر) ولعل للتجاذبات السياسية العنيدة والجاهلة ثم تأجيله اكثر من مرة بعد تسييسه من قبل البعض ليكون التعداد ضمن الاستحقاقات الاخرى المتأخرة لتعكس القوى السياسية عدم حرصها على المصالح الوطنية العليا وعدم احترام الزمن الضائع بين عقول لا تدرك عمق مسؤولياتها المقدسة والتي تهدره هذه القوى الجاهلة من عمر الشعب العراقي الذي ينتظر الخدمات بفارغ الصبر والتأمل .. ويذكرني قول رئيس الوزراء (نوري المالكي) حين قال وبمناسبة اليوم العالمي للسكان في 11 تموز والذي يحتفل به العالم برمته وفي ضوء تجمع في العراق وعد من خلاله رئيس الوزراء الحصول على التوافق السياسي للشروع بهذه العملية المهمة حيث يدرك الجميع بان التعداد السكاني يعد من اهم الممارسات التي تقوم بها الدول النامية والمتقدمة للحصول على البيانات والاحصائيات التي تساعدها في وضع الخطط الاستثمارية والتنموية وصياغة البرامج الاقتصادية اللازمة في رسم سياسات تساعد الحكومات على تلبية احتياجات شعوبها وتقديم الخدمات لها على اسس تلك البيانات الميدانية. ومن الجدير قوله ان البرلمان العراقي كان قد صوت على قانون التعداد السكاني العام 2009 بعد مخاض عسير لولادة غير طبيعية. وكان مفروضاً ان يتم اجراؤه في فترة سابقة الا انه تأجل لاسباب غير قانونية وهي عدم تحقيق (التوافق السياسي). وتجدر الاشار لذلك الى ان آخر تعداد سكاني اجري في العراق كان العام 1997 وكان لابد من الاسراع في اجراء هذه الممارسة المفروضة باعتبارها استحقاقاً وطنياً يسهم في تقديم الخدمات للشعب العراقي المهدورة حقوقه.. فالتعداد السكاني يعد اجراء حساساً ومهماً كممارسة على جميع المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية لانه يشمل تقييم المستوى المعاشي الصحيح للمواطن والعائلة والمجتمع.. ومحاولة الحكومة تحسين هذا المستوى من خلال الخطط المستقبلية والبرامج الانمائية الخدمية كتوفير سكن للشعب المظلوم الذي يمتلك الثروات الطبيعية ولم ينل منها (قيراط قط). ولابد من الاشارة الى ان التعداد السكاني يشمل اجراء مسح واحصاء شامل لاعداد السكان ومعرفة جميع احوالهم من حين اعداد الذكور والاناث ونسب الولادات والوفيات وحجم اليد العاملة الفعلية وعدد العاطلين عن العمل وكذلك معرفة ضخامة التضخم النقدي وتعمد الدول على اختلاف انظمتها السياسية الى اقامة هذه الممارسة بين فترة واخرى.. ويرى الخبراء والمتخصصون ان مدة عشر سنوات هي المعيار الانسب لتحديث البيانات بين تعداد وآخر لتكون امام احصائيات دقيقة وعدم الاعتماد على معلومات غير صادقة وناقصة وغير دقيقة كما هو حاصل في العراق اليوم والذي ركنت اليه وزارة التخطيط ومازالت في سبات عميق رغم انها تملك اعداداً هائلة من العاملين لديها وهم بعبارة ادق (وزارة شبة عاطلة عن الاداء).
لذلك نؤكد بان اية عرقلة لهذا الموضوع يعتبر خيانة وطنية يحاسب عليها مسؤولي الدولة والمتخصصين به..
|