حكايات جدتي |
أجمل امرأة وقعت عليها عيناي تلك العجوز المتشحة بالسواد وبعمامة مستديرة تشبه استدارة القمر ينفلق منه وجه أشبه بشمس الصباح .جدتي تجمعنا بحضنها فتجتمع معها طفولتنا المخضبة برذاذ الحرب,تروي لنا حكايات مخيفة كي ننام باكراً وكأن دوي الطائرات غير كافٍ لإخافتنا ,تكفينا بقعة صغيرة من الأرض رغم عددنا الكبير لنستمع لصوتها وهي تروي لنا قصصاً, أبطالها حاربوا الشر فمابين مناتي الذي قتل السعلات بذكائه وعلي شاه الذي صار ملكاً بعد اختطاف زوجته بدر البدور وحرثه الأرض طولا وعرضا بحثا عنها وصولا إلى علي بابا والأربعين حرامي.جدتي تصف لنا ذلك اللص المخيف ذلك ألحرامي الذي يحمل كيساً على ظهره وله وجه قبيح يتطاير الشرر من عينيه ..سكينته الحادة ..أنفاسه اللاهثة لأنه متعطش لأكل الأطفال ,ذلك ألحرامي الذي طالما حدثتنا عنه جدتي ورسمت لنا تفاصيل وجهه وبدنه وكنا نتمنى من الله أن لا يحظى بنا هذا ألحرامي يوماً وكانت تنصحنا أن نبتعد عن الأماكن المظلمة وان لا نسير في الشارع لوحدنا وان لا نتحدث مع الغرباء لان الغرباء هم أولاد هذا ألحرامي .توصينا أن نخبئ أموالنا جيدا كي لا يسرقها ألحرامي ,أن نتحدث بصوت منخفض كي لا يسمعنا ألحرامي .وظل ألحرامي شغل جدتي الشاغل و فزاعة خضرة ترهبنا به ,كبرنا وبقيت صورة حرامي جدتي تتراقص في الذاكرة ونترقب ذلك اليوم الذي سنتشرف به برؤية ألحرامي ذلك الرجل الكث ضخم الجثة رث الثياب الذي يحمل كيسه ليضع فيه الأموال التي يسرقها وكذلك الأولاد المزعجين ,كبرنا ولم نرَ ألحرامي لأنه ببساطة لم يكن حرامياً قط ,كان مجتمعاً شريراً فحسب أرادت تلك العجوز أن توصفه لنا ببساطة لكنها لم تكن تدرك أن ألحرامي الكث ذهب إلى الحلاق فرتب شعره وارتدى أرقى الثياب وأنظفها واستبدل أسنانه المخيفة بأسنان من السيراميك اللامعة!! لم تدرك جدتي إن ألحرامي صار جزءاً من المجتمع الواعي وانه لا يسرق المال فحسب بل انه وزَّع أولاده على مختلف المهن فصار يسرق جهد الفلاح حين يضيع تعب حصاده دون أن يبيع شيئا, و يسرق تعب الآباء حين تكون تربيتهم في غير محلها و يسرق جهد الباحث والكاتب عن طريق ألنت ويسرق قوت الناس بذرائع شتى ويسرق جهد الطالب المجتهد حين تصحح ورقة الامتحان . رحم الله جدتي ليتها ترى حرامي اليوم |