الفشل تحد والاستجابة له تعني احتمالين، اما الافلاس والخضوع الكلي لارادة المانحين ومن ثم الانقراض او الخروج من دائرته بمعالجة اسبابه اولا ونتائجه ثانيا، وفي كلا الحالتين فإن قوانين السوق السائدة والتي يدين بها حتى المتدينون في حكم العراق هي الخصم والحكم وهي بالتالي من سيعرقل تغيير المصير الذي لا يتغير الا اذا اراد الشعب ذلك، والا اذا ثار من اجله.
شبح الفشل والشلل السياسي والاقتصادي تهيمن على اجواء البلاد بالطول والعرض بالرغم من ان العراق واحد من اغنى دول العالم بالموارد الطبيعية، ويبدو هذا لوحده سببا كافيا لتكالب لصوص الخارج والداخل على نهبه والعبث بمقدراته ومن ثم حرقه بنيران جانبية للتغطية على اكبر سرقات عرفها التاريخ. النفط ثروة ناضبة بمنظور زمني لا يتعدى مسيرة جيل او جيلين قادمين، وانخفاض الطلب عليه امر وارد جدا، وانخفاض اسعاره الى النصف امر واقعي ايضا، وهذه الحالات كافية لتجعل العراق في حالة مزرية من الفاقة، بعد ان حول شعبه الى مجاميع متناحرة من المستهلكين المعتاشين على بقايا عائدات الريع النفطي الذي تتم سرقة روحه بدلا من جعلها رافعة لاقتصادياته المستدامة بانتاجها الزراعي والصناعي والعلمي والتي خربها الاحتلال ومن جاء معه. لم يتوقف انتاج العراق من النفط بعد الاحتلال، الا لفترات قليلة لا تتعدى الاشهر، والكميات المنتجة كانت ومازالت بتصاعد متواتر، ففي نهاية عام 2003 كانت معدلات التصدير قد تجاوزت 900 الف برميل في اليوم ثم تزايد الانتاج والتصدير بعد اصلاح بعض المنصات العاطلة، وتواصلت الكميات بالتزايد مع دمج انتاج حقول الاقليم، اضافة الى دمج انتاج حقول ميسان التي توقف العمل بها بعد حرب الخليج الثانية حتى وصل الرقم حاليا لحوالي ثلاثة ملايين برمـــــيل يوميا، العدادات فقط هي التي توقفت، وبفعل فاعل، والحساب فقط قد توقف، والرقابة الوطنية وبنود قرار التأميم العظيم هي التي قد توقفت منذ احتلال العراق وحتى الآن، تهريب النفط لحساب اطراف حكومية في الشمال والجنوب يتواصل، وكذلك عمولات شركات النفط الاحتكارية للجهات النافذة تتواصل من اجل الحصول على المزيد من الامتيازات وبشروطها. 500 مليار دولار هو مجموع موازنات العراق منذ عام 2003 حتى عام 2013 صاحب اكبر موازنة سنوية في تاريخ العراق، 120 مليار دولار، تلك الموازنة التي تعادل موازنات سنوية لأكثر من خمسة بلدان عربية مجتمعة، مصر وسوريا والاردن ولبنان والسودان، اما المحصلة فهي مرة بكل انواع المرارة التي لا يستطيع مضغها حتى من هو محسوب على النظام القائم، فهذا مهدي العلاق وكيل وزارة التخطيط العراقية، يشير الى ارتفاع مستوى الفقر في العراق لأكثر من 23 بالمئة، والبطالة الى اكثر من 33 بالمئة. تعمد اهمال قطاعي الصناعة والزراعة في العراق بهدف تصفيتهما، وتحويل العاملين فيهما الى مجرد متلقي اعانات ، فلا صناعة وطنية مدعومة، لأن العراق الجديد سوق حرة لا يبارك شيء فيها اكثر من مباركتها للخصخصة غير المنتجة، ولا تتشاءم من شيء اكثر من تشاؤمها من معاني القطاع العام والانتاج الوطني، ولا انتاج زراعي مدعوم لأن كلفة الانتاج المحلي اعلى من المستورد، واحد اهم شروط صندوق النقد الدولي على العراق عدم تدخل الدولة في تحديد وجهة المنافسة في السوق الداخلية لأن حرية المنافسة هي شرط من شروط الدمقرطة التي جاء من اجلها الامريكان للعراق، فلا اسعار مدعومة للمحروقات التي يستخدمها الفلاحون، ولا مشاريع ري حقيقية تعالج ظواهر التصحر، حتى البطاقة التموينية يتم استبدالها بمبلغ افتراضي ليشتري به العراقي ما يحتاجه من السوق الغارق بكل الالوان والاشكال من المواد الغذائية المستوردة والتي غالبا ما يتاجر بها اصحاب السلطة والثروة في العراق الجديد، والذين شكلوا طبقة طفيلية متعددة الجنسية ومزدوجة الولاء ومتشابكة المصالح مع مراكز المال والاعمال والنفوذ في المنطقة والعالم، ومنهم من ادمن على المتاجرة بالماركة الطائفية لاستقطاب الدعم السياسي الايراني من دون التضحية بالولاء للسيد الامريكي، حتى اصبحت لديهم خبرة في اتقان لعبة المزاوجة بين الولاءين والمصلحتين معا، وكل هذا على حساب الولاء للعراق ومصالحه، فالاسمنت الايراني مدعوم والاسمنت العراقي معوق، والتمر الايراني يشترى ويباع، اما التمر العراقي فلا يرى لأنه يتيم بائر، تجد في الاسواق العراقية بضائع من كل حدب وصوب وفي كل المجالات الا البضائع العراقية، لأنها لا تنتج اصلا، وان انتجت لا تباع. لا تجارة داخلية بسبب غياب المنتوج الوطني، والتجارة الخارجية حرة لكنها فاسدة لأن القائمين عليها هم من الطفيليين الجدد، اصحاب احزاب المقاولات والميليشيات الطائفية والاثنية الحاكمة في العراق. 500 مليار دولار واطفال العراق بدون مدارس ادمية والبلاد من دون كهرباء مستدامة ومن دون ماء صالح للشرب، ومن دون ابسط انواع الخدمات العامة، قطاع الصحة بتدهور ومثله قطاع السكن. عشر سنوات اي خطتين خمسيتين بالتمام والكمال، والمحصلة مليون ونصف مهجر داخل العراق، وتسعة ملايين تحت خط الفقر، ومليون كفاءة مهاجرة ومجتثة، وملايين من الارامل والايتام، وحتى هذه اللحظة السلطة عاجزة عن اجراء احصاء سكني يعين المختصين على رصد المعدلات الحقيقية للنمو السكاني. سلام سميسم مستشارة مجلس الوزراء تقول: ان الخطتين الخمسيتين فاشلتان لأن اهم اهدافهما لم تتحقق بل ما تحقق على ارض الواقع هو العكس تماما فالفقر تضاعف والحرمان تزايد. ميزانية عام 2013 كبيرة لدرجة ان البعض قد وصفها بالانفجارية، ليس لأنها ستنفجـــــر على اهل العراق بالرفاه والنعيم والازدهار وانما لأنها ستفجر شراهة الفساد المستشري والمتخمة به كل نواحي الحياة في العراق، من الهواء الى الماء الى الدواء والغذاء الى السياسة والاقتصاد والتعليم، الى الاحزاب التي لا تعمل بقانون، وانما بفنون الضحك على الذقون، والى الانتخابات التي ليس فيها طعم او رائحة او لون او نتائج الاختيارات الحرة والمتكافئة. المضحك المبكي ان وزير التخطيط السيد علي شكري يدعو الى تحديد النسل في العراق وفرض اجندة دقيقة للوقاية من السمنة السكانية التي لا تستطيع الدولة مجــاراة متطلباتها من رعاية صحية وتعليمـــــية وسكنية وخدمية وفرص عمل، حيث ان معدل النمو السكاني في العراق قد يتجاوز 3 بالمئة وهو معدل عال جدا، الوزير نفسه لا يملك احصاء سكانيا دقيقا، حيث كان اخر احصاء عام قد جرى عام 1997، فكيف توصل الى هذا الاستنتاج الجاهز؟. الوزير تجاهل حقيقة معدلات الوفاة في العراق بسبب الحروب والنزاعات واعمال العنف وتفشي الامراض المزمنة والمغادرة لاغراض الهجرة والتي تفوق اعداد الولادات وخاصة خلال العشر سنوات الاخيرة، نعم التنظيم الاسري مطلوب ولكن تبرير قصور الحاكم في تلبية حقوق ابناء شعبه بذريعة التكاثر السريع للسكان امر مضحك، لأن هذا الحاكم لا تعنيه الزيادة او النقصان بأعداد الناس فهو لا يبالي بهم اصلا، والا كيف نبرر حالة الوفرة في الارقام المالية التي يمكنها ان تمنح 60 مليونا من البشر حياة كريمة مع الندرة في ابسط الخدمات العامة لثلاثين مليونا منهم؟ ان ما يسرقه الحاكم ولصوص السلطة يغطي متطلبات معدلات النمو السكاني التي تخيف السيد الوزير. 120 مليار دولار ميزانية العام الحالي، 36 بالمئة منها للاستثمار في القطاعات الخدمية والانتاجية والتجارية والامنية، و64 بالمئة منها للتشغيل اي للرواتب ونثريات ومستلزمات الادارة، فلوحدها ميزانية وزارة الدفاع والداخلية والامن الوطني مضافا لها بعض من ميزانيات عقود التسليح الفاسدة تساوي 17 مليار دولار، وهي من حصة رئيس الوزراء الذي هو بنفس الوقت القائد العام للقوات المسلحة ووزير للدفاع والداخلية، والذي سيكون قادرا بهكذا ميزانية مضافة الى ميزانية مجلس الوزراء، من ادامة دورة حكمه لولاية ثالثة، وذلك من خلال تحكمه الامني الموازي لتحكمه باوجه الصرف وابرام العقود والتعيينات والمقاولات، بعد ان كفلته ايران امام منافسيه في التحالف الشيعي مقابل تكييفه اوضاع العراق بما يخدم النفوذ الايراني في المنطقة بالتوازي مع النفوذ الامريكي. يقول احمد الجلبي وهو احد المتضررين من تمدد النفوذ السلطوي للمالكي : ان ميزانية مجلس الوزراء التابعة للمالكي هي ضعفي ميزانية وزارة العمل والشؤون الاجتماعية، واكثر من ميزانية وزارة التخطيط 20 مرة، واكثر خمس مرات من ميزانية وزارة الاتصالات. ستدخل مبالغ المــــيزانية الجديدة الى المناطق المظلـــــمة اياها والتي تنعدم فيــــها الرؤيا لأن الضوء حتى الضوء المار بها يتلاشى ويتحلل الى درجــــة يفقــد معــــها اي صفة من صفاته، فالثقوب السوداء كالجيوب المثقوبة لا تفيض مهما احتوت، هي تتكاثف باستمرار حتى الانفجار. |