الجهاد محنة الاسلام |
لم يعد هناك مجال للريبة أو للشك في حقيقة التآمر الكولونيالي على قيم العروبة والإسلام؛ والحط من أقدارهما، والنيل من مورثهما الحضاري؛ وهو ما يتوافق (أو يُدلل) على إنْ الإرهاب صناعة غربية أمريكية بأمتياز، ولا يبت بالإسلام بصله، بل هو أقرب لأدبيات الهيمنة الأمريكية، وأبعد عن الطروحات والثوابت الإسلامية _ بما هي إسلام النص وإسلام الرسول _؛ التي جاءت بسماحة دينية وأخوة انسانية فريدة، وهو ما يتنافى مع الإرهاب الذي هو في حقيقته ليس إلا عملية تشويه مبرمجة ومُعدة لمفهوم الجهاد الذي جاء في النص القرآني المقدس، لكن النص الديني نفسه تم تحريفة تأويلاً واجتهاداً لدى البعض من علماء الفقة ومفتيي الديار أو وعاظ الحركات الإسلامية “وعاظ السلاطين” أو “وعاظ الإسلام الحزبي”؛ وكان الهدف منه خلط الأوراق بين الجهاد والإرهاب، فالإسلام دين جهادي، يرفض الإرهاب، والنص الديني ثابت على الجهاد، لكن الذي تغير هو التفسير (أو التأويل النصي)، والأشد مرارة إنْ مفهوم الجهاد بدأ يُردد ويتداول بين المسلمين ضد انفسهم، وهذه هي طامة العرب الكبرى، ونكسة الإسلام ومحنته؛ أي إنْ الفِرق والطوائف الدينية الإسلامية الراديكالية (أو الجهادية) بدأت تفرض فريضة الجهاد ضد أبناء الطوائف الأخرى المنضوين تحت عباءة الإسلام وخيمتهِ، وهذه هو الكارثة الكبرى التي حلت على رؤوس العرب، إنهم بدأوء يُصورون إنْ المشركين واليهود في القرآن الكريم هم المسلمين من أبناء الطائفة الأخرى (!!)؛ فحل عليهم الجهاد والقتال، وهو ما وصلنا إليه من أقتتال طائفي وحربٍ أهلية بين العَمْام والخَوَال والأقارب أندى لها جبين الإنسانية ما لم تهتز شواربنا أو فرائصنا حمية على ما نمارسه وما نوقع به من مُحرم.
فمحنة الإسلام ليس في الخارج أو الدّس الماسوي كما يُخيَّل للبعض أعتقاده؛ بقدر ما تُكمن العلة والإشكال في الداخل الإسلامي ذاته، وفي المسلمين _ تحديداً_؛ فما يتعرض له الإسلام من هجمة غربية شرسة يقع ثقل تأثيرها على المسلمين، لأنهم قبلوا أنْ ينتظموا في تنظيمات وحركات ترفع شعار التطرّف، ويافطات الإرهاب، واسترداد الحقوق عن طريق الغلو في الألتزامات الدينية؛ من خلال خطابات المؤسسة الدينية التي للأسف ما زالت مفصوصة الأعين، أو لا تملك إلا عيناً واحدة تُبصر فيها للأمور؛ .. والثقافة العوراء لن ترى إلا أنصاف المشاكل، وبالتالي لن تقدم إلا أنصاف الحلول !!
لذا لن تكون المؤسسة الدينية إلا فاعلاً نشطاً في تفعيل مفهوم الجهاد لتحقيق أغراض “نصف حلول”؛ هذا إذا لم تكن مؤسسة مُسيسة تعمل لصالح الحركات الإسلامية أو أحد زعماء الأحزاب ذات المرجعية الدينية، وقتئذ سيكون مفهوم الجهاد واجب شرعي لكل أب طائفة لمقاتلة أبن الطائفة الأخرى، والمُتخلف عن إداء فريضة الجهاد هذه فهو مرتد ومشرك وكافر حل قتله أو خلعه!!
والحقيقة الناصعة البياض هي إن الجهاد فريضة المسلم على المشرك؛ وبشروط ومحددات بالغة الخطرة؛ تعجز المرؤسسة الدينية من إيضاحها، كون غالبية زعماء الؤسسات الدينية هم لا يبتون لأختصاصها بصله، ولا يفقهون بالعلوم الشرعية والفقهية، ولا يعطون وزن لفقه الواقع المعاش، وبالتالي هم ينظرون للواقع من منظاهر ثقافتهم التي غاالباً ما تكون ثقافة زراعية أو طبية أو بايلولجية مما يؤدي إلى تحريف مسار التأويل، مما يدفع الناس بهجرة التنزيل؛ فمتى يعي المواطن العربي والمسلم إن الجهاد نص لا مقاتلة أو مناصبة العداء للمسلم مهما كان جنسه ونوعه وطائفتهُ؛ إلا بشروط الشريعة الإسلامية التي وقفت كل المؤسسات الدينية في العالمين العربي والإسلامي من إعطاءها وزنها الحقيقي في تلك المجتمعات، الأمر الذي جعل من مفهوم الجهاد محْنة للإسلام، وشرخ كبير في شريعتهِ وتجاوز على ثوابته الروحية والرمزية.
أي إنْ الجهاد أصبحت كلمة حق يُراد بها باطل؛ والباطل هو أنْ تقتل أخيك الإنسان بدم بارد وبأدوات الدين والمقدس، فأي ثقافة عوراء هذه يا أيُتها الفيفا الدينية القابضة على جمر الإفتاء لجوقة الجماعات المسلحة بالبشاعة، والعارية من قيم الإسلام وتعاليمه الروحية.
|