بلدوزرات التخريب والدمار

 

كان المسلمون هم الذين رعوا حقوق غير المسلمين في البلدان التي بسطوا نفوذهم عليها, وهم الذين نشروا الفكر الحضاري للعالم أجمع, بيد أن خبث الصهاينة واستحواذهم على عقول الأمريكان بأموالهم, وسعيهم الحثيث نحو تفعيل انسلاخ بعض الدويلات العربية وتجريدها من دينها وهويتها, أسهم في استعباد الكيانات الذليلة المتعاطفة مع معسكرات الأعداء, حتى أخضعوها كلياً لبرامج الصهينة والتصهين, فضللوا الناس وتلاعبوا بعقولهم, ولم تعد للدين حرمة في الدويلات المتصهينة, التي كُممت فيها الأفواه الناطقة بالحق, وخُنقت فيها الحناجر المدافعة عن المبادئ, فظهر الوسواس الخناس واضحاً جلياً بملامحه الشيطانية المرعبة, وكان ظهوره نذير شؤم على الديار العربية كلها, وممهداً لارتفاع صوت النفاق والشقاق, فصار المنافقون هم القادة الذين أبدوا فروض الولاء والطاعة لقوى الشر, وخضعوا لإرادتها, فكانوا كالبالونات الممتلئة بالهواء الفاسد, فطاروا وحلقوا عالياً في الفضاءات العبثية, من دون ان يعلموا ان الذين نفخوا بالوناتهم وسمحوا لهم بالطيران يمتلكون القوة الكافية لتفريغها وتفجيرها بوخزة واحدة من دبابيسهم المعادية للعروبة والإسلام. . فالكيانات العربية الهزيلة الطارئة على حياتنا, المبنية على الباطل, المولودة قبل بضعة أعوام بين صهاريج الصفقات المشبوهة, ستختفي قريباً, وستتناثر براميلها السود, ولن تصمد طويلا أمام عظمة المدن العربية العريقة وقواعدها الحضارية الرصينة, فليس من السهل أن تنهار أركان المدن العظيمة وتتلاشى بهذه السهولة, ويكفي أن نقول إن نضالها الطويل, وحضارتها القديمة المتجددة, ومقوماتها الثابتة, هي التي تعطيها الحصانة الأبدية في مواجهة التحديات الصعبة, وهي التي تمنحها القدرة على الصمود والانتصار عليها, فنواة الحصانة والأصالة والنقاء تكمن دائما وأبداً في لب الحضارة وجوهرها الرصين, فبعد كل هذا الاقتتال والتخريب والدمار, الذي لحق بمدننا الأصيلة لابد أن نكتشف حقيقة الفقاعات الفاسدة, ولابد أن نستمد قوتنا من لب نواتنا الحضارية, ونهتدي بفناراتها المتوهجة, فنغرس بذرة الحقيقة لتنمو من جديد في أديم هذه الأرض الطاهرة. . نحن نعلم تماما إن هذه العواصف الهائجة سوف تأكل الأخضر واليابس, ونعلم أيضا إنه يتعين علينا أن نضحي مضطرين بقليل من الأخضر ولفترة مؤقتة, حتى نتخلص نهائيا من اليابس, وعلى وجه الخصوص حينما لا نستطيع مواجهة العواصف الكونية العاتية, ونعلم أيضاً إنه من أساسيات العلاج إن الجراثيم المميتة إذا انتشرت وتكاثرت في مكان ما, ينبغي مكافحتها بالمضادات الحيوية, التي تقتل الجراثيم الضارة والنافعة من دون تمييز خصوصاً وأنه يُشك أن النافعة (الصديقة) قد نالها ما نالها من مجاورتها للضارة (المعادية), ولم تعد سلامتها مكفولة, أو ربما فقدت قدرتها على المقاومة, وضعفت جداً, لكن هذا العلاج لن يكون كافياً إن لم نستعن بالمقويات (الفيتامينات), التي تقوي الجراثيم الصديقة, وتحافظ على بقاء ما يمكن المحافظة عليه. . لا نعرف ما يحدث في هذا العالم المخدوع بالإعلام المزيف, المتأثر بالتضليل المكثف, فالعالم اليوم لا يرى الواقع إلا من خلال الإعلام المزيف, فأدوات التزييف والتحريف وقلب الحقائق وطمسها صارت من أبشع الأسلحة التخريبية الفتاكة, حتى بات من الصعب على المواطن البسيط أن يفرق بين ما يشاهده ويسمعه عبر الترددات الفضائية المحمومة وبين ما يجري على أرض الواقع. . لقد أسهمت بلدوزرات الدمار في تخريب البلاد وتشتيت العباد, فتشوهت الحقائق, وتغيرت المفاهيم, وتأرجحت القناعات, فظهر علينا من تطوع لتخريب بيته بيده, بعدما انطلت عليه الأكذوبة الكبرى, أكذوبة الربيع العربي, ثم خرجت علينا بلدوزرات التكفير, وستمتدح القتلة والمجرمين. . صرنا نتفرج ونتأمل لأن أصواتنا لم تعد مسموعة في خضم إعلام يحشد الملايين حول كذبة كبرى .. وسيتعلم كل شخص في النهاية الدرس بنفسه ولكن للأسف بعد فوات الأوان, وبعد أن يدفع حياته ويضحي بمستقبله ليدفع ثمن تلك الأكذوبة. . .