عملاء في الجنة وعملاء في النار |
اعظم كذبة انطلت على شعوب العالم هي كذبة (الاستقلال والسيادة الوطنية) ، الغريب ان الشعوب تعرف ان الدول العظمى تقاسمت العالم عقب الحرب العالمية الثانية ، ولم يفرط احد منها بغنيمته التي حصل عليها في معاهدة سايكس بيكو ، الذي تغير هو اسلوب الملكية التي تتدرج الى مستويات اولها الاحتلال المباشر وثانيها الانتداب العلني وثالثها الانتداب السري ورابعها التبعية السرية ، وفي النموذج الاخير تتولى مخابرات الدول العظمى تعيين الرؤساء والملوك للدول التابعة في العالمين العربي والاسلامي ، هذا في البلدان التي تبدو وكأنها في الظاهر مستقلة وذات دور وسيادة واستقلال في القرار ، اما في العراق فهناك هيمنة اقوى للولايات المتحدة ، كان العراق تابعا لبريطانيا حتى الثمانينيات بعدها اصبح خاضعا للنفوذ الامريكي اي ضمن المجموعة الخليجية والعالم العربي ، وقد جاءت المخابرات الامريكية بحزب البعث لحكم العراق وقدمت صدام الى الصف الاول تدريجيا واستخدمته للقضاء على نظام ايران الجديد وهو اول نظام في المنطقة حاول التخلص من التبعية للغرب والاستقلال بنفسه فذاق الامرين وفتحت ضده جبهة مفتوحة في الزمان والمكان ، جميع دول العالم تابعة لدول عظمى في قرارها ووجودها ومسيرتها ، الصين وايران وحدهما يحاولان الاستقلال من هيمنة الغرب والحكومة العالمية ، في الحرب الباردة نجحت الولايات المتحدة في اسقاط خصمها التأريخي الاتحاد السوفيتي ، ثم انتشلت روسيا الاتحادية من التمزق وابقتها رمزا لذلك الكيان المنافس الذي اصبح ذكرى ، الغرب يرى ان قوة الخصم الايراني كامنة في عقيدته الشيعية لذا فالجهد ينصب على تسفيه التشيع واثارة النزاع بين المرجعيات واختلاق مراجع وهميين بتمويل من الخليج واسرائيل والمخابرات الامريكية ، واثارة الشبهات حول عقائد الشيعة ، واضعاف الجانب الفكري والسياسي والاديولوجي لديهم وتجريد شعائرهم من المغزى الاجتماعي وتحويلها الى شعائر طقوسية ليس لها قيمة اخلاقية او سياسية ، وتشجيع منهج الفهم المأساوي المنغلق لهذه الطقوس وتجريدها من بعدها السياسي ، وترك علماء الشيعة ينخرطون في المشروع السياسي اللبرالي الامريكي في العراق ويمنحونه الشرعية ويصبحون جزءا منه . مع ذلك فأن الدول العظمى كأميركا لا تهتم بالتفاصيل وتترك للدول التابعة حرية الحركة في هامش واسع ينتهي عند خطوط حمراء يجب مراعاتها ، ولتلك الدول حرية الاتفاق والاختلاف والتنازع والتحالف او التعادي مع بعضها ولها حرية قمع شعوبها او او عدم قمعها ولها حرية الاخذ والعطاء ، حرية التصرف عند الدول التابعة واسعة تمتد من نموذج زايد بن سلطان في الامارات الذي اسس افضل دولة في المنطقة الى نموذج صدام الذي دمر اغنى دولة في المنطقة ، المهم ان هؤلاء الحكام في المحصلة النهائية يخدمون الدول العظمى المهيمنة ولا يتجاوزون خطوطها الحمراء ، اما الآن فان الهيمنة الغربية بلغت مستوى عاليا من التنظيم والدقة ، واصبحت وكالات السي آي ايه والموساد والاف بي آي هي التي تحرك مصير الدول التابعة ، تساندها شبكة من العمالقة الاقتصاديين الذين يهيمنون على الاستثمارات وحركة المصارف وعجلة الاقتصاد في العالم وهي مجموعة امبراطوريات اقتصادية مثل : برتش بتروليوم ، اوكسن موبيل ، توتال ، ارامكو ، مايكروسوفت وغيرها ، وبهذين الذراعين الاستخبارية والاستثمارية يدار العالم المحتل . العراق في صلب هذه اللعبة فقد انفقت الولايات المتحدة اكثر من ترليوني دولار وقدمت اكثر من خمسة آلاف قتيل من جيشها لتغيير النظام القائم وتاسيس نظام جديد ، لذا فهي تملك العراق بامتياز ، وانسحاب قواتها الشكلي لا يعني الغاء تبعية العراق لها بل تغيير اسلوب التبعية فقط ، ولكن لو اراد العراقيون في مساحة الحرية المسموحة لهم ان يبنوا دولتهم الحديثة فان اميركا لا ترفض ذلك وهي التي سمحت لالمانيا واليابان تحت وصايتها ان يتحولا الى دولتين ناجحتين من الطراز الاول في وقت مازالت القواعد الامريكية في الدولتين قائمة ، الازمات التي يعيشها العراق حاليا اغلبها من صنع العراقيين انفسهم والذين اثبت بعضهم بسلوكه انه اشد قسوة على بلده من اي احتلال اجنبي . الشعب لعراقي يتفهم كذبة الاستقلال ، وربما يتمنى استمرار الاحتلال لكنه يرفض الافصاح خوف الانتقاد ، ويفضل الصمت لانه وجد ان الارهابيين اقسى عليه من القوات الامريكية ، وان ساسته اكثر فسادا وانانية ولا ابالية من المحتلين ، يفترض ان تختار الولايات المتحدة اشرف عملاءها في العراق ليديروا التجربة ويؤسسوا النموذج ، ويفترض ان تدافع واشنطن عن الشعب العراقي ولا تسمح بابادته بأيدي التكفيريين الذين هم جنود للمخابرات الامريكية والاسرائيلية ، تحركهم عن بعد وهم لا يشعرون ، تبعية دول المنطقة للغرب معروفة وهي بديهية ولكن الغريب ان تبعية الآخرين جنة وتبعية العراقيين نار !
|