بغداد عاصمة ثقافة الزِّقِ والقـِينــَة..

 

المتفاخرون بثقافة الزق والقينة ، الساخرون من الثقافات الأخرى ، إنما يسوقون لمفاهيم الأنحلال تحت شعار الحداثة والعصرنة والمدنية..!! هؤلاء يستوحون ثقافتهم من ليالي هارون العباسي الحمراء وقصوره المزدحمة بالجواري الحسان وتسابق اللقطاء لإرضا خليفة الشيطان في بغداد..هؤلاء لا زالوا يطوفون بقصائدهم على خمارات بغداد ومجالس لهوها ، هؤلاء لامعنى للثقافة عندهم سوى العزف على أدوات الطرب ودفوف الرقص والقهقهة على ترنح سكارى شارع أبي نؤاس..! في مهرجان بغداد أساء القائمون عليه لمفهوم الثقافة وعنوانها ، بل أساؤا لقيم الأدب والمعرفة ورواردها وأساطينها..المهووسون بثقافة الزق والقينة يبغون من ورائها تغيب صناع ثقافة العلم والأدب الرفيع ، يبغون  تعرية المرأة من عفافها ونزع روح الطهر والحياء عنها ، هؤلاء الذين يرتضون أن تعيش حواضر العراق كله عصور الجاهلية إنما يأدون عناوين الحضارة والتمدن بتراب عناوين لا علاقة لها بالثقافة ، هؤلاء أحق أن يطلق عليهم دعاة العودة الى الجاهلية الأولى.. غاب رجال الأدب الرفيع وشعراء العرب الكبار عن بغداد ، فلا حضور لناقد أدبي من الطراز الأول يبين لنا جوانب الأبداع في النص الأدبي الراقي أو يبين لنا مواطن الخلل في النصوص الغثة ، ولا حضور لشاعر بمستوى الجواهري أو من يستعير المعان من أبي تمام والمتنبي والمعري ليحلق بنا في سماء اللغة الرحب ، ولا قاص يُرَوِي الذهن الجدب بما جاد به خياله الخصب ، ولا حضور لمعمار مميز استحسن بناء العمارة الحديثة ليطعمها بفن العمارة البابلية أو من حضارة آشور العظيمة ، ولا حضور لعلماء التفسير والحديث ليزيلوا عن أذهان شبابنا كل الشبهات التي شوهت مفاهيم الدين وقرآنه المجيد ، أو حضور لعالم لغة لينقذ لغتنا العربية المذبوحة بخناجر المتصنعين للشعر ونصوص النثر الفارغة ويصحح كلام المتحدثين من السياسين وقيادات الدولة والأعلامين ، بل غاب كل هؤلاء ليحضر الطارئون والعازفون على أوتار النشاز لتزداد النفوس اشمئزازا بدل الأنشراح والبهجة حيث سادت تلك المعزوفات المجة بدل مقاطع المقام العراقي الأصيل وألحانه الفريدة  وحضر أولئك الذين يتقمصون الفن بقبعاتهم الشوهاء فمنهم من أطال الشعر بظفيرة وسخة وآخر بلحية شعثة يدعون أن لوحاتهم تحوي تعابير عن واقعنا المرير زورا..! نعم انهم فنانون تشكيليون كما يدعون..! هذا هو حضور عاصمة بني العباس الذين امتلئت شوارعها بالدماء منذ يوم تأسيسها الى يومنا هذا فتارة تجمع لقطاء البرامكة ليكونوا أسيادها ثم تقتلهم بليلة واحدة وتارة ثانية تحتضن الفرس ليكونوا وزراء و سجانين لأشرافها وأئمتها ، وتارة أخرى تجلب أبناء الترك ليحكموا العرب بالبطش والبربرية لأنهم أخوال معتصمها وابن هارونها ، وتارة يعود اللصيق ربيب عفلق ليكون سيدها فينتهك شرف حرائرها و ينشر ثقافة الرعب والخوف والبطش والتمجيد باسمه ليل نهار..!

فماذا ننتظر من مدينة تاريخ ثقافتها الزق والقينة وانتشار الخمارات ومجالس اللهو وجلسات الدسائس والختل والمكر والقتل والأرهاب؟ لأن من بنى بغداد وأسسها ومن بعده هارونها المتفاخرون به اليوم شططا أسسوا مجدهم وتاريخهم بالإغداق على المغنيات والجواري وأبناء اللقطاء وحسبوا أن هذا مجدا..! وتناسوا أن أصحاب المجد الحقيقيون أولئك الذين شرعوا رماحهم وجردوا سيوفهم وباتوا على الثغور فحموا الدين ونشروه في أصقاع الأرض إيمانا منهم بمبادئه وإنقاذا للبشرية من ضلالتها فكان المجد والفخر والسؤدد عناوين الأمة الحقيقية لذلك تفاخر الشعراء بهم فقال المتنبي :

ولا تَحْسَبَنّ المَجْدَ زِقّاً وقَيْنَة             فما المَجدُ إلاّ السّيفُ والفتكةُ البِكر