الحرية .. كلمة
في قصيدة ( بطل الصحراء ) يخاطب أحمد شوقي البطل عمر المختار قائلاً : إن البطولة أن تموت من الظما ليس البطولة أن تعبّ الماءَ . ليس هناك بطل تلده أمه بطلاً ، ولا ثوري يحترف الثورية ، ولا الوطنية سلعة تشترى من أسواق السوبر ماركت . الوطنية لها ثمن غال . هناك لحظة تاريخية فارقة تصنع البطولة والأبطال . وإذا كانت البطولة تعني كما جاء في قول شوقي التضحية بالنفس في سبيل فكرة أو يقين ، فإن البطولة في بلدنا تعني ركوب السيارات الفارهة المصفحة ، وشراء البنوك ، واستثمار أموال الشعب في دول العالم . وفي العادة فإن الشعوب تأكل من حياة أبطالها فيموتون قصار العمر . بينما أبطالنا يأكلون من حياة هذا الشعب لكي تطول أعمارهم . من هو البطل ؟ هو مواطن يحمل هموم وطن . إنه يعيش في كل عقل وفي كل نبض وفي كل زمن . البطل هو من يأتي لك بالنور في الظلام ليتحول ليلك إلى نهار . وقرأنا عن أبطال في التاريخ يأتون برغيف الخبز من فم الأسد ليأكل الجائع . لكن أبطالنا يسرقون رغيف الخبز من فم الجائع . وكنّا قرأنا عن صوم المهاتما غاندي حتى النصر . بدأ بمسيرة ضد الانكليز سار فيها المئات ثم استطاع ببساطته وروحانيته الفريدة أن يجعل من المئات ملايين الثوار . والزعيم الصيني ماوتسي تونغ ماتت زوجه في رحلته الثورية واثنان من أبنائه فلم يكلّف خاطره أن يسأل عنهما لأن طريق الثورة طويل شاق . وهذا هو الزعيم البريطاني الأشهر ونستون تشرشل لم يفقد إيمانه بالنصر في أحلك اللحظات هزيمة . وكان للزعيم سعد زغلول سحر مبدع وجاذبية حين يخطب في الجماهير فيستولي على حبّات القلب . والرئيس جمال عبد الناصر جعل من انقلاب عسكري ضد عرش فاروق ثورة في مصر أشعلت من بعدها ثورات في العالم العربي . وديغول كان يتصرف وهو مشرد تائه بروح القائد المنتصر . ورشيد عالي الكيلاني كان من أعظم قادة الثورة ضد الاحتلال البريطاني . والزعيم ياسر عرفات عاش محاصراً يأكل حبة بندورة ومات فدائياً لم يخلع ملابس الميدان . والشيخ أحمد ياسين كان مقعداً على كرسيّه مشلولاً لكنه جعل فلسطين كلها ثائرة تتحرك . اليوم هناك خلط وفوضى مفاهيم ومصطلحات لا تستقيم معها كفة في ميزان . تسمع عن ( رموز وطنية ) في بلدنا يجري لها التهليل والتكبير بالرياء الاجتماعي والنفاق السياسي . يجعلون منهم أبطالاً بما لم يخطر في مغامرات طرزان وأفلام السوبرمان . تصيب رأسك بالدوار أن الأمور انقلبت رأساً على عقب . وقراءة سريعة في سيرة عدد من هؤلاء ( الرموز ) يكشف العجب : بعضهم سفاحو دم وقارعو طبول . بعضهم مهرّبون وتجار مخدرات ولصوص هاربون وقطّاع طريق . بعضهم صنعتهم الصدفة . بعضهم تآمر على بلده وفتح الباب لأميركا وجنودها وفرش لها الطريق حتى غرف النوم . بعضهم اعترفوا أنهم كانوا جواسيس في أكثر من جهاز مخابرات . فما أغربهم من رموز !. إنهم بلا مجد ولا شرف . يكفينا فيهم قول الرصافي : كم يدّعي وطنية / مَن لم تكن مرّت ببابه !.
|