العراق والأقتصاد والمستقبل


في ظل التأريخ ومتطلبات الجغرافية كان العراق بين "جنة" من يتأمل له الخير في أن يكون واحدا من أقوى الأقتصاديات الإقليمية إن لم تكن العالمية بسبب ما يملك من موارد أقتصادية أساسية رخص الطاقة توفر الأيدي العاملة الماهرة والبسيطة توفر قاعدة أنتاجية ومواد أولية كبيرة ,توسطة في منطقة أسواق جاذبة رابحة وأخير إمكانيات كبيرة جدا تمثل في قدرة على التحرك الإقليمي والدولي دون مشاكل حقيقية , هذه "الجنة" من وجهة نظر متفائلة .
"نار" العراق التي تحرق كل ذلك وتبخر هذه الأحلام أيضا تتمثل في الجغرافية والتأريخ ,العراق البلد الذي يسكنه التأريخ ولا يغادره بكل ما فيه من سوداوية وفوضى وتراكم يعيق أي حركة أستثمارية لوجوده مصاحبا لجغرافية لعينة تتنازع عليها وفيها أحقاد وصراعات وتناقض مر بين مكوناتها الإقليمية والبشرية على مشتركات يمكن أن توظف للجانب الأخر الوجه الجميل للتنوع ,وهذا ما لم يكن أبدا بصالح قيام نظام أقتصادي شبيه بسنغافورة أو هونغ كونغ أو حتى النرويج التي تشبه العراق بأنها منتج بترولي.
العراق أيضا محكوم بوضع سياسي مأزوم إقليميا ومسكون بالتاريخ وإرتداداته التي لا تنتهي ومحاط بأيديلوجيات حضارية وأفكار عنصرية لا ترى في أي أستقرار سياسي في المنطقة على أنه مكسب للجميع بل ترى فيه مصدر خطر لوجود هذه السياسات والأيديولوجيات مما يتحتم عليها أن تسلك طرق التخريب ونشر الفوضى وتعميق حالات الإنقسام والتناحر بين شعوب ومكونات الإقليم لتضمن لها مدى أبعد في البقاء ويسمح لها بالتدخل في أي مكان تستشعر منه الخطر .
الواقع الإقليمي والدولي عموما له كثير الأثر في رسم السياسات الأقتصادية وتحديد أتجاهات الواقع فيه وليس للحكومات والأنظمة السياسية تلك الأهمية التي توازيها في دول خارج الإقليم العراقي المحيط ,معظم الإدارات السياسية ترى أن وجودها مرتبط بالحركة السياسية العالمية وما هي إلا نتاج له ووجودها متوقف على رضا هذه القوى ,وبالتالي الرضوح والأعتماد على التوجهات المركزية يمنعها أن تسير في قضية وطنية خالصة لمصلحة شعوبها وهذا الأمر أيضا ينطبق كمصداق على الواقع العراقي .
غياب الديمقراطية وحقوق الإنسان والتمسك بمفهوم الحكومة المسيرة المتدخله في كل مفاصل الحياة والمتحكمة بالمنهج ووضع الرؤى والأفكار ,والأهتمام والإنغماس بالصراعات الإقليمية والنزاعات على إرث الماضي وخطأ الجغرافيا كلها عوامل تسلب الإدارة العراقية وكذلك المنطقة من حرية التقرير المسئول والنهوض الوطني وملامسة الواقع الذي فيه المصلحة الأجتماعية ومن ثم النهوض والأرتقاء ليس فقط بالقطاع الأقتصادي فحسب بل بكل الواقع الوجودي المفترض أن يغادر واقعه البائس هذا من أكثر من نصف قرن على الأقل .
كما أن السياسات الدولية ومصالح الدول الكبرى ومصالح الشركات متعددة الجنسيات وقوانين البنك وصندوق النقد الدولين المصادرتين من قبل الدول الرأسمالية وضعف العمل الجماعي من دول المنطقة عوامل ساهمت ووجهت الأقتصاد الوطني ضمن مفهوم الأقتصاد الأحادي الذي يسير متعكزا ومستندا على أقتصاديات عملاقة تسيره وتضغط عليه وفق مصالحها الخاصة هي ,وضعف العما الجماعي المشترك الإقليمي أو النوعي وعدم توحيد السياسات التعاونية والمشاركة في بناء خارطة طريق إقليمية ودولية للنهوض بالواقع الإقليمي ومكافحة الهجرة وخاصة تلك المتعلقة بالعقول وأصحاب التعليم العالي والنادر .
كل ذلك لم يفسح المجال أمام تفاهمات سياسية إقليمية تخفف من وطأة الصراعات والتنازعات الدولية والإقليمية على شعوب المنطقة وتوظيف رؤوس الأموال الوطنية مع بناء قاعدة أستثمارية وطنية ضامنة ومكفولة والفصل بين السياسة والأقتصاد في العلاقات الدولية كلها أجراءات ضرورية ومهمة قبل المطالبة بتحرير إرادة القطاع الصناعي في العراق أو في دول المنطقة لبناء مجتمع قادر على أن ينهض ويبساير بقية المجتمعات العالمية الحديثة أو ما يسمى بالنمور الأقتصادية .