الاتجاه المعاكس

ربما لعب هذا العنوان، الذي اتخذته قناة الجزيرة في بدء بثها عنوانا لأحد برامجها، دورا مهما في جذب الناس اليها. كنت قد اشتركت فيه مرتين. اليوم، وكما اقرأ، لم يعد البرنامج يستقطب اهتمام الجماهير خاصة بالعراق. صرنا نراه اليوم على أرضنا وليس على الشاشة. ابطاله هم الطائفيون من الطرفين. كانت الحلقات السيئة من البرنامج تنتهي بتمزيق القمصان او الشتائم والقصف بأقلام الباندان وتطشير الأوراق. أما الذي على الأرض فنتائجه تصل الى سفك الدماء والتهجير وخسارة الأرض. النتيجة هي ان الرابح فيه دائما هم الدواعش.
منذ عام تقريبا لم نشهد ساحة او مدينة يقف بها الحشد الشعبي مع الجيش، وتمكن داعش من اختراقها. حتى التي احتلها داعش مستغلا غباء البعض تجدها تتحرر حين يتقدم نحوها الجيش مسنودا بالحشد. ومع هذا يأتيك ابن بطرانة يتمغلج برأسك ووجهه عبوسا قمطريرا ليصيح من خارج الحدود: لا نريد الحشد الشعبي. مجرد اتجاه معاكس لا أكثر. لو بحوشت مليون مرة عن السبب فلا تجده غير عناد طائفي أحمق.
الغريب في الأمر، وربما الأغرب، اني سمعت احدهم بأذني كان ينادي بإبعاد الحشد الشعبي عن الرمادي. لكنه عندما وصلها الدواعش تساءل محتجا: لماذا تخلى الحشد الشعبي عن دوره وانسحب من الحبانية؟ بالله هذه شتجاوبه؟
أمس قرأت تقارير عدة وتفرجت على أكثر من فلم تسجيلي للعوائل التي نزحت مؤخرا من الرمادي وحالها يكسر قلب حتى من لا قلب له. أغلب المتحدثين يرون انهم لا مانع لديهم من دخول الحشد لإنقاذهم. بل ان بعضهم قال ليس لنا غيرهم. هؤلاء هم الذين يدهم في النار ويعرفون معنى حاجة الأخ لأخيه وقت الشدّة. وهؤلاء هم الذين لا تجد للطائفية خلية واحدة في خلايا قلوبهم ووجدانهم. أما المرفهون في الفنادق، كما قال أحد الأنباريين النازحين صوب بغداد، فهؤلاء هم فقط من لا تعجبهم مساندة الحشد للجيش في تحرير الأنبار لتلتحق حرة بأختها تكريت.
وكما اقترحنا، أمس، على العبادي ان يواجه البرلمان لوضع حد للعبة نريد او لا نريد أميركا لتساعدنا في طرد داعش، نقترح على عقلاء السُنة إجراء استفتاء شعبي في المناطق الملتهبة التي يفتك بها الدواعش. اسألوهم وهم هناك: هل تريدون الحشد الشعبي ام لا؟
لا تتركوا العراق بين حانه المترفة ومانه المعذبة. فوالله لن تضيع لحايانا، هذه المرة، بل سيضيع العراق بين هذا الجرّ والعرّ.