دكَة بوش الخزعلية |
في رسالته الى الرئيس الامريكي الاسبق روزفلت كتب البرت انشتاين أحد العلماء الأربعة الذين خططوا لمشروع القنبلة الذرية أن هذه القنبلة بإمكانها تدمير ميناء . لكنها عندما ألقيت على اليابان دمرت مدينة بكاملها و أزهقت ارواح 45 ألف نسمة في اللحظة الأولى لانفجارها . أنشتاين حاول التنصل عن مسؤوليته في تحويل القنبلة الذرية من رسوم على الورق الى غمامة مدمرة على شكل ثمرة فطر لما عرف حجم الدمار الذي أحدثته فيما تراجع زملاؤه – البعض منهم – عن حماسهم في تطويرها و دعا اوينهايمر العضو المهم في هذه المجموعة الى الحد من استخدام السلاح الذري .
الأحداث الكبيرة في التاريخ في الغالب لم تكن نتائجها بالشكل الذي تخيلناه قبل وقوعها و بالتالي فإن صورتها بالنسبة لجموع المتظاهرين المؤيدين خارج غرفة العمليات أثناء التخطيط لها لا يمكن أن تكون بتلك الدقة . الحروب العالمية و الثورات ، الإختراعات الكبيرة الهبت حماس الكثيرين و استهلكت جيوب و حيوات الكثيرين لكنها بعد قياس النتائج ، بعد قرون أو بعد عقود أو حتى بعد ثوان – كما في القنبلة الذرية – لم تعط جميعها ذات المردود الأخلاقي أو المادي الذي بذلت من أجله الأموال و الارواح لا لمن قاد أو خطط على فرض سلامة النية و لا لمن انتظر و تلهف ليتلقف الثمار المرتجاة .
الإحتلال الامريكي للعراق 2003 حدث كبير بلا شك لا على مستوى العراق شعبا و حدودا و سيادة ، تاريخا و مستقبلا فقط و لكن على مستوى العالم أيضا حيث تغيرت بسببه بوصلة مسير المنطقة بأسرها و التي كان يدور تبعا لاتجاه إبرتها المغناطيسية العالم بأسره لما لهذه المنطقة من أهمية عالمية على جميع المستويات .
و ما زال هذا الحدث الكبير و نحن نتحدث عنه في ذكراه الثانية عشرة محط جدل بين العراقيين بالدرجة الأولى لأنه استهدفهم بشكل مباشر و لشعوب المنطقة لأثره الإقليمي سلبا أو إيجابا بالنسبة لهم و لبقية دول العالم ، منهم من لازال يسميه تحريرا و منهم من يسميه سقوطا فيما يسميه بعض العامة في العراق و خاصة كبار السن ” دكَة بوش ” في مقارنة لا تحمل غير الإسم مع دكَة رشيد عالي الكَيلاني أو دكَة المحبوب التي تصفها الاغنية التراثية بانها دكّة خزعلية لأنها حملت للحبيب مفاجآت مؤلمة حين لم يكن يرتجى من محبوبه الا الخير .
اثنتا عشرة سنة وقت كاف ليستفيق الناس من صدمة بوش و ترويعه ويجيبوا أنفسهم بأنفسهم : ترى هل كان في وقوفهم مع حرب بوش على العراق موقف حكيم و هل كانت الحرب حقا تحريرا كما زعم المطبلون لها ام احتلالا و تدميرا و خط شروع لكل ما حاق بالمنطقة العربية من السودان و تونس الى سوريا و اليمن و البحرين و هل تصح تسمية ” تحرير” على ما حدث في العراق و هل كان محتلا من دولة أجنبية ليتحرر وعلى فرض أنه كان محتلا من روسيا أو اليابان او الهند مثلا فهل من واجب امريكا ان تحرره و إذا أراد العراقيون ان يغيروا نظامهم فهل هذا شأن امريكي أم شان عراقي ؟ ما مدى دقة تسمية ” الدول الصديقة ” ، صديقة لمن وقد بأت صداقتها بصدمة و ترويع الناس و هل هي كما يفهم المواطن البسيط الصداقة كقيمة أخلاقية لا تحمل في طياتها غير النيات الطيبة لطَبّاب الخير ” او المختار الذي يحضر لإصلاح ذات البين ؟ بعض الناس حسموا امرهم قبل الحرب ووقفوا ضدها و بعضهم كان بحاجة لاثنتي عشرة سنة – سبقتها اثنتا عشرة سنة من الحصار الاقتصادي و قبلها ثماني سنوات من حرب إيران يرى كثير من المحللين انها صفحات تمهيدية لحرب بوش – لكي يعيشوا بأنفسهم كل المآسي التي نعيشها نحن و بقية الشعوب العربية من بعدنا (منذ أحداث تونس) المتضررون الوحيدون مما يحدث لكي يستفيقوا من الصدمة و البعض لم يستفق منها حتى بعد صدمة و ترويع داعش إحدى الثمار المرة لحرب بوش
أن نعرف إن كانت البضاعة التي باعتنا إياها امريكا تستحق الثمن الذي دفعناه يستدعي أن نضع 9 نيسان في الميزان ، أن نضع الدواعي التي دفعتنا لهذه الصفقة و النتائج التي وصلنا إليها في كفتي الميزان تماما كما يفعل التاجر ، حساب ربح و خسارة ، ماذا ربح العراق و ماذا خسر و هل هي صفقة موفقة أم خاسرة و إذا كنا ننشد بهذه الصفقة التغيير فهل كان استقدام امريكا هو الخيار الصحيح والوحيد للتغيير ؟ مادلين اولبرايت السفير الأمريكي لدى الامم المتحدة أبان الحصار الإقتصادي على العراق سؤلت سؤالا مشابها حول الربح و الخسارة في حصار العراق وعما إذا كان الحصار الاقتصادي الذي أودى بحياة نصف مليون طفل عراقي يستحق هذا الثمن أجابت بنعم . ترى كم أصبح عدد المعجبين بنظرية اولبرايت (من بيننا نحن قبل غيرنا) بعد ان أضيف لضحايا الحصار ضحايا اثنتي عشرة سنة من الترويع و التهجير و الخراب ؟ كم منا يرى ان البضاعة تستحق الثمن الذي دفعناه و كم منا يرى أننا لا زلنا مدينين لأمريكا .. و لغير أمريكا ؟
|