عصر الحرس

 

 

يقول الراحل عبد الوهاب البياتي:

 

هذا عصر شهود الزور           عصر ملوك البدو الخصيان

 

اترى ان هذا العصر هو عصر الحرس؟

 

الحرس، مفردة تعني الامن تعني الحماية، تعني الاطلاع على جوانب و خفايا احيانا عند المعني بتوفر الحماية له، حرس، مرافق، حماية، امن يد حامية ضاربة، يرى من الرجل الاول ويعرف عنه بمقدار اكثر من الاخرين، انه ببساطة درع بينك وبين الموت، قد يموت قبلك، او معك او بعدك، قد يسلم وقد يغادر مغضوبا عليه منك، واحيانا يغتالك.

 

واحيانا كثيرة يراعى سياستك ويكون سياسيا مثلك، يصافح قبلك ويودع الناس بعدك، يغضب منك فيكتم ليفرغ الشحنات في غيرك و بعيدا عن عينك، يروضك بصمت تحسه ولايبدر منه، يتقي شرك وتحرص على مراقبته وهو يعلم!.

 

في الشرق الاوسط الملعون، تتداخل الاشياء، وتكاد تؤمن اننا شعوب نبدع في تطوير ما نستورد من فكر وممارسة، ممارستان اصيلتان في وجدان الناس في الشرق، استيراد وتطوير استعمال المستورد، ففكرة الصنم مثلا ليس من انتاجنا، فلما اخذناها عن الاخرين حولناها الى عقيدة سوء تئد البنت، وضاعفنا الاصنام لنحظى بأكبر تمثيل صنمي في الكعبة، اي ان الاصالة المصنوعة غلبت و ازالت معالم الاصالة الطبيعية ضمن المعتقد الديني، ثم انزلقت كل ممارسة حياتية نحو هذا المذهب، من شكل الحكم ومضمونه، الى طقس الموت و مكنونه.

 

في الحقبة الاوربية و الروسية السابقة كان للحرس دور في السياسة، وصل الى حد الاستخلاف على الحكم، هذه الممارسة ايضا استوردناها وطورناها للمارسة اصيلة في فهم السلطة، واجزم اننا لا ندرك ان المعرفة ليست الا تحتاج غير الوصول لمستلم، ما يكاد يمسكها حتى يتفكر فيها، لأننا بتجرد نشبه الماء في تصرفه داخل اناء، متجانس رغم التراب في طبقته السفلى والزيت في اعلاه، اما ان نكون صالحين معا او غير صالحين!.

 

عصر الحرس العراقي تجذر في 1968، وتطور في الثمانينات، وازداد سعة الان، وبعيدا عن كونه مهنة لها اطرها المعروفة من حيث التأمين، فقد تحول منذ عقود المشارك في القرار بصفة شخصية تتجاوز حتى مؤسسة الامن الرسمية ذات الوجود القانوني، فالحرس بات منذ الامس شخصا فيه صفات تخلعها له من سطوة تريدها لك من غير ان تحسب عليك، تحول الى اذن تسمع لك ولا تشوه وجهك بأكثر من اذنين، وعينا تجمر نارا تكوي غيرك ولا تزيل هالة الملاك التي تريدها امام الناس!.

 

بالامس اصبح الحرس وزيرا و نائبا شعبيا، مثما وصل يوما قبل عقود لرئاسة البلاد.

 

بل ان صدام حسين نفسه كتب على البطاقات التعريفية بحرس الرئاسي”حرسنا الخاص كل الجيش والشعب”، كلما تذكرت شعارتنا الديمقراطية تلفت لأجد اثار الحرس في كل مكان!.