لعد احنا شنكول؟

ذات يوم من ايام شغلي معلما في مدينة الشعلة، أواسط السبعينات، صاح بي أستاذ طارق التكريتي: تعال يابه شوف. كانت بيده مجلة اظنها "الف باء" أشّر لي على خبر فيها يقول ان تظاهرة احتجاجية خرجت في إيطاليا تتقدمها سيدات. الاحتجاج كان اعتراضا على وجوه المذيعات التلفزيونيات بدعوى انها لم تكن جميلة، مع صور لبعض المذيعات موضوع الاحتجاج. عندما انتهيت من قراءة الخبر، قال لي بغضب خفيف: لعد احنا شنكول؟
كان طارق هذا شيوعيا. وربما هذه معلومة لأبناء الجيل الجديد ان تكريت كان عدد الشيوعيين فيها اكثر من البعثيين حتى بداية الستينات. ليس في تكريت، حسب، بل ان صديقنا الصحافي مجيد الهيتي يؤكد أن هيت بأجمعها كادت ان تكون مقفلة للشيوعيين في ذلك الوقت. سبحان مغير الأحوال.
ما ذكرني بزميلي التكريتي عمود لكاتب عربي يشكو فيه معاناته لأنه يوجه عموده لكل العرب حاسبا ذلك من الضّارات. يقول "عندما تكتب في جريدة يقرأها كل العرب يجب أن تبحث دائما عن قاسم مشترك يرضي أذواق معظم العرب". بصراحة، هل غبطته أم حسدته؟ لا أدري. وكمال قال المعلم التكريتي كررت قوله مع نفسي: لعد احنا شنكول؟ يا عمّ انت مثل تلك التي بيتها على الشط لتغرف حيث مالت.
أما نحن، فالف آه. ليس امامنا غير هذا العراق الملتهب. انه العراق وحده لا غيره. تحاصرنا عيونه وهمومه ودموعه. كاتب العمود العراقي كالشاعر الحسيني ليس امامه غير ساحة كربلاء. ولربما الكتابة عن مصيبة كربلاء أسهل لأن المختلفين عليها عددهم لا يزيد عن اصابع اليد الواحدة او ربما صفر. ما من مرة فكرت بما اكتبه الا واحترت في كيفية تجاوز اكوام زنابير الطائفية. ربما يشاركني الحيرة اغلب زملائي العموداتيين العراقيين. حيرة تقودني من حيث لا احتسب لمشاركة ناظم الغزالي في اغنية "سايب" مع قليل من التصرف:
غنيت كالوا بطران .. وسكتت كالوا حزنان
هدّيت كالوا سكران .. صلّيت كالوا تايب
يا زميلي الكاتب العربي، تعال مكاني لتعرف المعنى الخفي في قول مغنينا "يلوم الما درى ابعلتي شمرها". تعال وجرب بنفسك قول كلمة حق لا ترضي الطائفيين، حتى المثقفين منهم، واستمتع بهجمات "الزنابير" عليك من كل صوب. ذق بنفسك طعم شتائم واهانات ما كنت تعرف لها وقعا من قبل. زنابير نجح البعض، وللأسف، في تدريبها بشكل مضبوط لجعلها مستعدة للهجوم على كل من يسير وحده.