بعد التحية .. من رموز الوطنية العراقية: المطران حبيب هرمز النوفلي
 

في قراءة منصفة للتاريخ يرى المرء مواقف لا يمكن لأحد تجاهلها، بدءاً من دخول أقباط مصر طوعاً في ولاية الدولة الإسلامية، مروراً بدورهم في النضال من أجل استقلال مصر وإقامة دولة مدنية ديمقراطية، سواء في ظل الاحتلال العثماني أو البريطاني، او بعد قيام مملكة مصر والسودان، وحتى في ظل جمهورية مصر العربية بزعامة الفقيد الكبير جمال عبد الناصر.
وللمسيحيين في جبل لبنان وربوع سوريا الكبرى الأخرى دور عظيم في الدعوة إلى أواصر الأخوة القومية والتآخي بين مكونات المجتمع، فلم يعرف أحد تمييزاً بين ماروني ومسلم شيعي أم سني، كان الجميع متآلفين في النضال من أجل الطموح الكبير في الحرية والاستقلال وقيم المواطنة.
ولم يكن تاريخ مسيحيي العراق من الكلدو آشوريين وبقية الأطياف المسيحية بعيداً عن تاريخ النضال الوطني العراقي، بضمنهم الأرمن الذين لجأوا للعراق هرباً من المذابح فأمنوا برافديه، سواء ضد تعسف السلطات العثمانية وفسادها أو من أجل دولة مدنية ديمقراطية بزعامة فيصل الأول. وللمسيحيين حصة لا يستهان بها من التضحيات من أجل الاستقلال والعدالة الاجتماعية، وليس من قبيل المصادفة ان يكون يوسف سلمان وعشرات الشخصيات المسيحية المرموقة، من رموز الطموح في العدالة الاجتماعية وقيم المواطنة، فهم ومكونات أخرى هُضمت حقوقهم، فاتحدوا في طلائع سياسية من اجل وطن حر تسوده قيم المواطنة.
وكانت الآمال كبيرة بعد خلع الشمولية في ترسيخ قيم المواطنة، لكن المؤسف أن الثغرة كبرت بين المكونات، فصار استهداف الصابئة والمسيحيين والأيزيديين ظاهرة يومية، حتى لم يعد في العراق من أصل 4 بالمئة من المسيحيين من تعداد العراق سوى ثلاثة بالألف، أما بالنسبة للصابئة فلم يعد باقٍ منهم سوى افراد قلائل، فيما حلت نكبة الأيزيديين على أيدي مجرمي داعش.
وبرغم المحنة التي يعيشها المسيحيون في الموصل، فإن رجالاً عراقيين صابرين مثل المطران حبيب هرمز النوفلي في البصرة يبشر بإصرار على رؤية نور الأمل في استعادة تآخي المكونات وتعايش أطياف المجتمع كما عهدناه في خمسينيات القرن المنصرم.  إن الآمال الكبيرة التي يتحدث بها المطران النوفلي تعكس إرادة الرجال المتمسكين بدينهم وعراقيتهم، والوعي بأن واحدة من أقدم كنائس الكون مرجعيتا تكريت الملكية والموصل لمسيحيي الشرق، والوعي بأن أخطاء المظلومين في تولي السلطة طارئة، والأمل باسترجاع قيم الانتصار لكل المظلومين سواء أكانوا مسيحيين أم أيزيديين أم سنة أم شيعة. 
إن إصرار هذا المطران بموقعه المهيب في البصرة هو معلم من معالم انتصار الوطنية العراقية على الإرهاب، ومعلم من انتصار الوطنية العراقية على داعش ودحرها، وهو صوت يُعلم الأجيال أن "العراق وطن الجميع"، وان "الدين للفرد والديمقراطية والحرية للمجتمع"، وان روعة العراق في تعدد منابره الفكرية والدينية في اجواء التآخي والتعاون.
لننتصر لعراقية هذا الرجل الكبير، ولننتصر لعراقيتنا في تطمين كل الأطياف، وسلام إجلال وإكبار لك أيها المطران الجليل.