الأرضُ أمنا جميعا.. |
مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات
يحتفل المجتمع الدولي يوم 22 نيسان 2015 باليوم الدولي لأمنا الأرض. وبهذا اليوم يجدد العالم المتمدن أهمية ديمومة العلاقة الايجابية بين الإنسان والأرض، فكما أن الأرض تحتضننا وتمدنا بأسباب العيش الرغيد؛ فان الإنسان باعتباره أمنيا وخليفة عليها مطالب بالعناية اللازمة بها والمحافظة على رأس مالها؛ فمنذ فجر التاريخ ونحن نعتمد على خيرات الطبيعة في كسب قوتنا ورفاهتنا وتطورنا... يقول الأمين العام للأمم المتحدة في رسالته بمناسبة يوم الدولي لامنا الأرض (إن الاحتفال السنوي باليوم الدولي لأمنا الأرض احتفاء بكوكبنا الذي لا كوكب لنا سواه، وبمكانة الإنسان فيه. وهو أيضا استنهاض للهمم في وجه استخفاف البشر بالموارد والنظم الإيكولوجية التي تقوم عليها الحياة). ويرى بعض الباحثين الإسلاميين أن العلاقة بين الإنسان والأرض هي أدعى إلى الألفة والارتباط بينهما، فضلا عن المحافظة والتنمية، أو الاقتصار على التفكر والتدبر، فالعلاقة بين المسلم والأرض تدور في ثلاثة مستويات، أدناها وأقربها مستوى الانتفاع بالتسخير، وهو ما يتعلق بالجسد، وأوسطها مستوى التفكر والاعتبار، وهو ما يتعلق بالعقل، وأعلاها مستوى المحبة والألفة، وهو ما يتعلق بالروح. قال تعالى: (وَاللَّهُ أَنْبَتَكُم مِّنَ الأَرْضِ نَبَاتًا ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيهَا وَيُخْرِجُكُمْ إِخْرَاجًا وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ بِسَاطًا لِتَسْلُكُوا مِنْهَا سُبُلًا فِجَاجًا). في ضوء ما تقدم، كيف لنا أن نقيَم علاقة الإنسان بالأرض على الواقع؟ وما هي السبل اللازمة لتفادي الآثار السلبية الناتجة عن أفعال الإنسان على الأرض؟ غالبية مراكز الأبحاث التي تعنى بالبيئة، تؤكد أن العلاقة بين الإنسان والطبيعة تزداد سوءا -يوما بعد آخر- بسبب السلوك البشري السلبي؛ فلا رعاية ولا حماية للهواء الذي منه تنفسنا، ولا للماء الذي منه مشربنا، ولا للتربة التي منها غذاؤنا، وفي معظم الأحيان بقينا نسحب من رأس مال الطبيعة دون أن نعيد إلى رصيدها شيئا. ذلك الاستخدام المسيء للموارد الطبيعية اثر تأثيرا بالغا على تغير المناخ واستنفاد طبقة الأوزون؛ وساعد على انخفاض التنوع البيولوجي - تنوع الحياة الهائل على الأرض التي تمدّنا بأسباب الحياة، وزاد من تلوث المياه العذبة والموارد البحرية، كما أن التربة، ومصائد الأسماك التي كانت وافرة ذات يوم، تزداد جدباً.! فقد أكدت اللجنة الدولية المعنية بتغير المناخ(IPCC) في أحد تقاريرها أن "هناك دليلًا جديدًا وأكثر قوة على أن معظم السخونة الملاحظة على مدار آخر 50 عامًا يمكن نسبتها إلى الأنشطة البشرية؛ وقد أدت هذه التغيرات إلى حدوث الكثير من المخاطر البيئية تجاه صحة الإنسان، مثل نضوب طبقة الأوزون، فقدان التنوع الحيوي، الضغوط على الأنظمة المنتجة للغذاء، وانتشار الإمراض المعدية بشكل عالمي." كما قدرت منظمة الصحة العالمية (WHO) وقوع 160000 حالة وفاة منذ 1950 مرتبطة بصورة مباشرة بالتغيرات المناخية. في هذا الإطار، يعتقد الكاتب أحمد إفزارن (أن الضغط على الأرض يزداد أكثر فأكثر.. ويتواصل التهجم بحدة وعنف على ثرواتها الطبيعية، من بترول ومعادن ونباتات وغيرها، وعلى كائنات مرئية وغير مرئية، فيزداد يوما بعد آخر خلل الطبيعة، ويتسع الشرخ في العلاقة بين البشر وباقي مكونات الحياة في البر والبحر والجو...ولم نعد نعيش حياة طبيعية.. ولم تعد الطبيعة قادرة على المواجهة، وهي تختنق بالنسل، والاستهلاك، والأسلحة، وسوء التدبير، والجفاف، واجتثاث المناطق الغنية بالثروات الطبيعية، لفائدة مليارديرات هذا الزمن.. العدوان متواصل.. والتواصل سيئ جدا مع كوكب الأرض.. والحياة مهددة في الصميم.. فالأرض مواردها محدودة، واستنزافها يزداد أكثر فأكثر).. هذا التواصل السلبي مع الطبيعة لا يقتصر على الطبيعة وحدها، بل ينعكس بشكل مباشر على حياة الناس أنفسهم، وأضعف الناس حالا في العالم هم أكثر من يتضرر من آثار إهمالنا لرعاية الأرض. وهؤلاء هم الذين يعيشون على حواف الصحراء؛ ومجتمعات الشعوب الأصلية، وفقراء المناطق الريفية، وسكان الأحياء الفقيرة والدول الفقيرة..! فلقد أظهر أحد التقارير حول التأثير البشري على تغير المناخ والذي صدر عن المنتدى الإنساني العالمي عام 2009 يتضمن رسمًا حول العمل الذي تم من قبل منظمة الصحة العالمية في فترة مبكرة من ذلك العقد أن الدول النامية تعاني من 99% من الخسائر المنسوبة إلى التغير المناخي مع أن أكثر 50 دولة نامية حول العالم لا تعتبر مسئولة عن أكثر من 1% من انبعاث الغازات المسببة للاحتباس الحراري. علاوة على ذلك، تشير الإحصاءات الأممية إلى تزايد حاجات الإنسان خلال السنوات القادمة من حيث الغذاء والطاقة والماء. يقول الأمين العام (في السنوات العشرين المقبلة، سترتفع احتياجات العالم بما لا يقل عن 50 في المائة من حيث الغذاء... و45 في المائة من حيث الطاقة... و30 في المائة من حيث المياه... وسيحتاج إلى فرص عمل جديدة تُعد بالملايين). إذا، في ظل ما تقدم، ومع تزايد أعدادنا، يتعين علينا أن ندرك أننا نستهلك موارد الكوكب استهلاكاً لا سبيل إلى استدامته. وبالتالي، نحن بحاجة إلى تصحيح علاقتنا مع أمنا الأرض؛ من أجل تحسين رفاه الإنسان، ولاسيما لأشد الناس فقراً وأكثرهم ضعفاً، فإنهم يحتاجون - في الحد الأدنى - إلى أراض خصبة ومياه نقية ومرافق صرف صحي ملائمة. ونحن بحاجة إلى إحداث تغيير في المواقف والممارسات على الصعيد العالمي. وحماية أمّنا الأرض يجب أن تكون جزءا لا يتجزأ من إستراتيجيتنا. فبدون توفر قاعدة بيئية مستدامة، سيكون الأمل في تحقيق أهدافنا الرامية إلى الحد من الفقر والجوع وتحسين الصحة ورفاه الإنسان ضئيلاً. التوصيات: -أهمية اعتبار الإنسان جزءًا من الطبيعة؛ فهو يشكل مُكوِّنًا ديناميكيًّا فعالاً في عملياتها؛ حيث يَنبغي عليه أن يُدرك أنه ليس فوق الطبيعة، بل هو أحد عناصرها؛ يَدين بالولاء لها، ويُحافظ عليها، ولا يَنعزِل عنها. - زيادة الوعي البيئي عند المجتمعات، والتركيز على مناهج التعليم البيئي في المؤسَّسات التعليميَّة، إضافةً إلى العمل بمحاور الميثاق الأخلاقي للبيئة.. - الابتعاد عن الفساد والإفساد الاجتماعي، وهو كل سلوك بشري يفسد نعم اللَّه ويحيلها إلى مصدر ضرر وخطورة على الحياة، وقد نهى الإسلام عن الفساد والإفساد: ﴿... وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا..﴾ - نبذ الإسراف وسلوك الطريق الوسطى فلا إفراط ولا تفريط، وهو مبدأ عام لا يختص في جانب معين، فقد نهى الإسلام عن الإسراف لما فيه من أضرار كثيرة، وهو كل سلوك يتعدى الحدود المعقولة والمقبولة، وإذا عطفنا الكلام على موضوع البيئة فإنه يتمثل في الاستخدام المفرط لموارد البيئة بما يشكل خطراً وضرراً على البيئة ومواردها: ﴿...وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ﴾. - الاعتراف بأهمية الغابات والأنهار والبحار والأجواء وعمق الأرض، وكل الكائنات، بما فيها الإنسان.. وليس المطلوب اعترافا على الأوراق.. وليس المطلوب اعترافا شكليا، بل عمليا.. في العمق.. ويعني التوقف الفوري عن إبادة الكائنات الكبيرة والصغيرة، التي نراها والتي لا نراها، لأن هذه من أساسيات توازن الحياة على الأرض.. - منع الكيماويات من الوصول إلى الحقول الزراعية، لتمكين الأرض من التنفس والإنتاج الغذائي الطبيعي، أي تمكينها من حياة طبيعية.. فالكيماويات تقتل التربة.. تقتل الأغذية.. تنشر أوبئة جديدة بالفرشة الطبيعية، والمياه الجوفية، وفي الأجواء.. - احترام الفضاء، لأن الأرض نفسها كوكب سابح في الفضاء.. ومن هذا الفضاء طبقة الأوزون التي تغربل الأشعة الشمسية لكي تجعلنا نعيش. واحترام المدارات حول الأرض وكواكب مجموعتنا الشمسية، لأن تحويل الفضاء الخارجي إلى نفايات تكنولوجية، يشكل خطرا آخر على حياة كوكبنا الأزرق.. في الواقع أن أجمل ما جاء به الإسلام في علاقة الإنسان بالبيئة وبالكون عامة هي رؤيته في أن تكون تلك العلاقة هي علاقة الودِّ والحب سواء مع المخلوقات الحية أو غير الحية؛ فالأحياء من الطيور والدواب هي أمم أمثالنا" يقول - تعالى -: ﴿وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ﴾ فلا عجب أن يُبادل الإنسان هذه الكائنات الساجدة المسبِّحة لله الود والحب والشعور بالأُلفة بينه وبينها؛ لأنها تعبُد اللهَ كما يعبُدُه هو، وخير دليل على هذا ما قاله الرسول الأعظم - صلى الله عليه وآله وسلم - على جبل أُحُد: "هذا جبل يُحبُّنا ونحبُّه" |