ان حسابات مكافحة الارهاب و الانتصار عليه، يجب الا تكون ضرباً من الاعتبارات الجزئية او غير المكتملة؛ لأنها عندئذ تكون نوعاً من الأوهام غير الفاعلة وغير المنتجة، اذ ان مسببات الارهاب والعنف المسلح كثيرة، واصبح المجتمع غير بعيد عن ادراكها، فهي واسعة تبدأ بالتخلف الذي يعيشه المجتمع، ولن تنتهي بانتشار معدلات الفقر ومظاهر سوء توزيع الثروة. ويبدو ان لجنة الامن والدفاع النيابية قد حاولت التغافل عن العامل الاقتصادي كمسبب رئيس لتواصل اعمال العنف المسلحة و جرائم السرقة والخطف وكثير من الجرائم الجنائية؛ التي امتدت حتى الى مدن عرفت باستقرارها الامني في سنوات سابقة. فقد اعلنت لجنة الامن والدفاع النيابية، انها قدمت مشروع قانون مكافحة الإرهاب للقراءة الأولى في مجلس النواب، موضحة على لسان عضو فيها، ان اللجنة قدمت مشروع قرار انشاء جهاز متخصص "يضع سياسة خاصة لمكافحة الارهاب من الناحية العسكرية والفكرية"، وفي الحقيقة فانهم تحدثوا كثيراً عن محاربة الارهاب عسكرياً، حتى تحول الى وحش كاسر انتهك الاراضي والاعراض، اما محاربة الارهاب فكرياً فتمثل في انهم مازالوا يصرون على ابقاء المناهج المدرسية ذاتها البعيدة عن روح العصر والعلم. اما محاربة الارهاب بإنعاش الاقتصاد، وتحقيق العدالة للناس وتطوير حياتهم ورخائهم ورفدهم بالخدمات وإنشاء مدن نظيفة، فلم يتطرقوا اليه برغم اهميته بصفته ضامناً حقيقياً لتعزيز روح السكان المعنوية لمجابهة الارهاب والارهابيين على تنوعهم. ولعل ما صرح به وزير الخارجية الاميركي في شباط الماضي ـ وهو بالتأكيد نتيجة خبرة التعامل مع المنظمات الارهابية ـ لأبرز دليل على ضرورة معرفة دوافع اعمال العنف المسلح وهي مهمتنا قبل ان تكون مسؤولية الآخرين، اذ قال جون كيرى فى كلمته خلال "قمة مكافحة الإرهاب والتطرف" فى واشنطن، بمشاركة عدد من قادة ووزراء خارجية دول العالم ، ان "الأفكار الإرهابية تأتى من الفقر والجوع والبطالة، ولذا لابد من محاربة التهميش الاجتماعي فى إطار مكافحة الإرهاب". اننا نرى ان تشخيص الداء أهم وأبلغ من وصف الدواء، فان تضع علاجات لتشخيص غير مكتمل لحالة كبيرة وخطيرة مثل قضية الارهاب والعنف، يعني انك تبتعد عن اساليب مواجهتها ودحرها، اذ ان ذلك يؤدي بالنتيجة الى استمرار تأثيراتها المهلكة على المجتمع. ان المحنة التي عشناها طيلة السنوات الماضية وكذلك المترتبة على ما خلفته الانظمة الدكتاتورية السابقة التي حكمت العراق، تلزمنا التفكير القويم والتبصر في المسببات الحقيقية التي ادت الى الكوارث المتناسلة، وفي طليعة ذلك العامل الاقتصادي الذي ادى دوراً اساسياً في تاريخ البشرية، ويؤدي الآن الى الاستمرار في اهلاك المجتمع بمظاهر العنف المسلح؛ انها تحتم علينا ان نفكر بصورة صحيحة في مسببات الانحلال والفوضى المجتمعية وسيادة مظاهر القتل والقسوة والسطو والسرقة؛ لأننا بالتوصل الى تلك الاسباب ومعرفتها سنتمكن من الدعوة ـ في الاقل ـ الى اتخاذ الاجراءات الكفيلة بمجابهتها ودحرها والتوصل الى سلام واستقرار المجتمع.
|