أَسْحارٌ رَمَضانِيَّةٌ السّنةُ الثّانيَةِ (٢٢)

           
               
   {وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا}.
   هذا النّوع من النّاس، لا يكتفي بالطّاعة العمياء للقائد الضّرورة في الدّنيا كتبريرٍ للهرب من المسؤولية، وانما يسوقها كتبريرٍ للضّلالة حتى في يوم القيامة، ظناً منه انها تكفي لتبرير عماه في الدنيا لإنقاذ نفسه من عقاب الله في الآخرة!.
   وانّ الذين {لَهُمْ قُلُوبٌ لَّا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَّا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَّا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَٰئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَٰئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ} يمثّلون، عادةً، زُمرة النفعيّين والوصوليّين الذي يتحلّقون حول الزعيم ليس لانّه صاحبُ بسطةٍ في العلم والجسم، او لانّه صاحب مُنجزٍ متميّز او صاحبُ صفاتٍ قياديّة استثنائية يستحقّ ان يُدعم بسببها، او لانه الرجل المناسب في المكان المناسب، ابداً، وانما لانّه صاحب القوّة والسّطوة والمكانة والمال والصولجان! وبالنسبة لهذه النماذج فانّ القوّة، فحسب، دٓليلُ الشّرعية، كما يذهب الى ذلك فقهاء التكفير وفقهاء البلاط ووعاظ السّلاطين، الذين يشرعنون سلطة الظالم القاهر المتجبّر المستبدّ كونه تمكّن من السلطة فحسب، بغضّ النّظر عن الطريقة التي تمكّن منها، اكانت سرقة مسلّحة (انقلابٌ عسكري) او توريث او مؤامرة يقودها القصر! المهم انّه تمكّن من السلطة! وهي الثقافة التي أشاعها الامويّون لتبرير سلطتهم التي تعتمد التوريث! والتي قامت على أساس القتل والاغتيال والتآمر والغارات والتّضليل وشراء الذمم والكذب على الله ورسوله على يد جيشٍ من المتقوّلين الذين كانوا يقبضون ويكتبون الأحاديث المزوّرة التي ملأوا بها كتب الحديث عند القوم!.
   ان هذه النماذج السيّئة التي تتحدث عنها الاية المباركة، لا يعنيهم حال الامة بمقدار ما تعنيهم مصالحهم، ولذلك تراهم يتقلّبون في احضان الحكّام، لتأمين مصالحهم، وهم يتسلّحون بالنفاق وازدواج الشخصيّة والكذب والدّجل والتزوير، وكلّ ذلك من اجل ان يظلّوا قريبين من السلطان، فلا موقف يعنيهم ولا رايَ يهمّهم ولا هم يخزنون، فاذا تناقضت اقوالهم وأفعالهم ومواقفهم من حاكم لآخر، فلا يعني كلّ ذلك بالنسبة لهم شيئاً ابداً.
   اكثر من هذا، تراهم في اكثر الأحيان ملكيّون اكثر من الملك، يدافعون عن الحاكم الذي يعبدونه من دون الله ليتقرّبوا اليه اكثر فاكثر، فقال عنهم القرآن الكريم يصف حالهم؛ {وَانطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَىٰ آلِهَتِكُمْ إِنَّ هَٰذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ} فاذا تعرّض القائد الضرورة الى نقدٍ ان اعتراضٍ او مساءلة تراهم يهبّون هبّةَ رجلٍ واحدٍ للدفاع عنه، متجاوزين كل القيم والمبادىء والمواقف، بل وحتى التصريحات التي صدرت عنهم فيما مضى!.
   يجب ان ننتبهَ دائماً لانفسِنا من اجل ان لا نكون من هذا النوع من الناس، كيف؟؛
   الف؛ ان لا نطيع بلا عقل او تفكيرٍ او منطق، مهما كان المقصود بها.
   حتى الأبوين الَّذين قال عنهما رب العزة {وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا} رفض ان نطيعهما بما يتنافى والعقل والمنطق فقال تعالى {وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا وَإِن جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} فما بالك بالآخرين؟.
   باء؛ ان نُحسن اختيار الزعيم، خاصّة لمن ينخرط في العمل الحزبي والحركي.
   وانّ من حسن الاختيار التأكّد من انّ هذا الزعيم يحترم راي أنصاره ولا يصادر شخصيتهم او يتجاوز حقّهم في النّقاش والاعتراض، فهو يصغي جيداً عند الحوار فلا يستحقر رأيٌ او يستصغر فكرة او لا يحترم مقترح.
   كذلك يلزم التأكّد من انّه يُحاور ويناقش، فلا يستبدّ برأيه ويصرّ عليه اذا سمع من انصارهِ رأياً افضل وفكرة احسن.
   وانه لا يُحب المديح بقدر حبّه لتأييد الحق، وان لا يكون ممن يقرّب المصفّقين والمدّاحين ويطرب على أصوات أبواق الباطل.
   جيم؛ وعندما أتعامل مع الزّعيم، فلا ينبغي ان تذوب شخصيّتي في ولحساب شخصيّته، وكأنني صفرٌ على يمينه وهو كلّ الارقام! ابداً، فانّ هذه الطريقة من التعّامل هي التي تنتهي بي الى عبادة الشخصية التي تساهم في صناعة الطغاة، ولذلك قال تعالى في محكم كتابه الكريم؛ {وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَن يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَىٰ فَبَشِّرْ عِبَادِ* الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَٰئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ} اي انّ من علامات اجتناب عبادة الطاغوت، القائد الضرورة والزعيم الأوحد، هو الاستماع الى كلّ الاّراء قبل اختيار أفضلها وأحسنها، اما الاكتفاء برأيٍ واحدٍ واتّباعهُ على كل حال بلا نقاش، فتلك هي عبادة الطاغوت، او في الطريق اليها!.
   انّ من فلسفة بعثة الأنبياء والرسل، هو ان يضعوا عن النّاس كلّ ما من شانه يمنعهم من التفكير بحريّة، وكما هو واضح فان من اخطر العوامل التي تحول دون تحقيق ذلك هو وجود الاصر والاغلال التي يصنعها الزعيم عندما يتّبعه الناس بلا عقل، او طاعة عمياء، فقال تعالى؛ {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ أُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}.
   ان من الخطأ الفاحش ان نتعامل مع الزعيم كمصدر الهام مقدّس يَحرُم علينا مناقشته او سؤاله او توجيه اللوم له او تنبيهه، فالزعيم بشرٌ يخطئ ويصيب، فلماذا كلّ هذا الخوف والرّهبة والوجل منه كلما وقفنا بين يديه او حضرنا مجلسه؟!.
   حتى الرّسول ليس بوكيلٍ او مسيطر على عقولنا، فكيف نجيز للزعيم، ايّ زعيم، ان يكون كذلك بالنسبة لنا؟ الم يقل تعالى {إِنَّا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ لِلنَّاسِ بِالْحَقِّ فَمَنِ اهْتَدَىٰ فَلِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم بِوَكِيلٍ} فلماذا نسمح لانسان مثلنا ان يتصرّف معنا بطريقة الموكّل علينا؟!.
   دال؛ يجب ان تكون العلاقة مع الزعيم مبنيّة على أساس الإنجاز وليس على أساس التوريث او الزِّي او الاسرة او العلاقة الشخصية، ابداً، فانّ كل ذلك معايير جاهليّة لا تحقّق الصالح العام.
   ولذلك فعندما هدّد القوم نبيهم شعيب عليه السلام بالرّجم لولا أسرته بقولهم؛ {قَالُوا يَا شُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيرًا مِّمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفًا وَلَوْلَا رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ وَمَا أَنتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ} أجابهم بالقول؛ {قَالَ يَا قَوْمِ أَرَهْطِي أَعَزُّ عَلَيْكُم مِّنَ اللَّهِ وَاتَّخَذْتُمُوهُ وَرَاءَكُمْ ظِهْرِيًّا إِنَّ رَبِّي بِمَا تَعْمَلُونَ مُحِيطٌ}.
   هاء؛ واخيراً، يجب ان نرفض التّعامل مع الزعيم الذي يحاول فرض ارادته وآرائه علينا باتّباع الطّريقة الفرعونية {مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَىٰ وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ} فهي تُساهم في تغوّل شخصيته الفرعونية بمرور الزمن، ما يعني انّنا سنساهم في صناعة طاغوت جديد سنسمعه بعد مدة يقول {يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَٰهٍ غَيْرِي} ثم يهدّدنا بالقول {لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَٰهًا غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ} وحوله وخلفه زمرة من المصفّقين ينشدون [لولاك لما نزلَ القَطْرُ]!