لو كان لدينا حس اخلاقي

 

تؤكد لي تفجيرات الثلاثاء الدامي أننا نعيش انهيارا أخلاقيا كبيرا، ولولا هذا الانهيار لما تكررت مثل هذه التفجيرات وازدادت ضراوة وبشاعة. لو كنا نملك حسا أخلاقيا لتجاوزنا الطائفية، لكنا أدنا التفجيرات وعملنا على منعها قبل وقوعها، لما كنا وفرنا ملاذا للارهاب، ولما كنا ساعدناه ليقتل من يشاركنا ويعيش معنا ونتقاسم معه هواء وماء هذا البلد، ولما كنا سمحنا لغربان الشر والكراهية بالنعيق، ولأبواق المأجورين بالزعيق، ولطبول الحرب الاهلية بأن تدق، ولما سمحنا لسياسيين يتاجرون بدمائنا، ولا لرجال دين يجعلوننا حطبا لفتنة يشعلونها، ولا لرجال دولة فاشلين يتحكمون بمصائرنا.

لو كنا نملك حسا أخلاقيا، لشعرنا بالمسؤولية في حفظ دمائنا، لأدرك رجل الأمن فينا انه يتحمل مسؤولية الأرواح التي تزهق، لأنه توانى في السماح لسيارة مفخخة بالمرور من سيطرة يقف فيها مؤتمنا على أرواحنا، وأهمل مسلحا تسلل من بين يديه أو عصاه التي لم تؤشر سوى لخيبتنا فقط.

لو كنا نملك حسا أخلاقيا لشعرت وسائل إعلام كثيرة بالخزي وهي ترقص على دمائنا، لشعرت بقليل من الحياء فسارعت لتغطية أخبار فواجعنا وشاركتنا في مآتمنا بدلا من نقر الدفوف وهز الأرداف وكأننا في زفة عرس، ولاستحت غيرها ممن كرست نفسها لتكون منبرا للشحن الطائفي أن تتشح بالسواد وتضع شريطا صغيرا في شاشتها وهدنة مؤقتة من نعيق التحريض إكراما لأرواح الضحايا، حتى ولو من باب المجاملة التي فقدناها أيضا لأننا بلا حس أخلاقي.

لو كان لدينا مثل هذا الحس لأدرك قضاؤنا أن تقصيره في احقاق العدالة وفرض القانون يفسح المجال لمزيد من التفجيرات ويشجع القتلة أكثر على سفك دماء الأبرياء، وما كان ليتجرأ أحد مهما كان أن يرفع صوته بتهديد الآمنين قبل أن يرفع سلاحه.

لو كان لدينا حس أخلاقي لأدرك سياسيونا أن لديهم حدودا لا يتجاوزونها في مناكفاتهم ومزايداتهم هي قدسية دماء الناس وسلامتهم ووحدة هذا الوطن وتماسك هذا المجتمع. لكنهم ضربوا بهذه المقدسات بعرض خلافاتهم التي لا تتوقف، ولتكون هذه المقدسات قرابين لمصالحهم التي لا يشبعون منها. لو كان لدينا حس أخلاقي لعلم رجال ديننا أن دماء الناس أقدس من انتماءاتهم الطائفية، أكثر كرامة من أن يكونوا من هذا المذهب أو ذاك، وان عِظَم المسؤولية لا ينتظر حتى تصل الدماء الى الركب، والأدهى ان بعضهم يريد ايصالها الى هذا الحال.

لو كان لدينا حس أخلاقي لكنا بأفضل حال الآن، ولكان العراق بلدا يعيش أهله بسلام وأمن ورفاهية لما يمتلكه من خيرات وثروات هدرها في المقام الأول ليس الفساد والاحتلال والدكتاتورية والأحزاب السياسية بل فقداننا للحس الأخلاقي.