في العراق الجديد (بعد2003)، بدلا من تربية وتدريب الشباب على طرق الاستفادة من التكنولوجيا وتطويرها، وتلقينهم العلوم والتقنيات التي أحدثت نقلات نوعية في حياة الإنسان، تم تعليمهم طرق التباين والاختلاف بين المذاهب والقوميات والاديان، وتزامن مع هذه التربية وقوع أحداث كبيرة ساهمت في سطوع أشخاص وجهات، وتسببت في أفول آخرين، وبعيدا عن الاعتدال إنتشر التطرف الديني بين أناس، والتعصب القومي والمذهبي عند آخرين، وتحتم على العامة من الناس دفع أثمان انتماءاتهم، واتجه المتطرفون المحليون والقادمون من خارج الحدود، بسادية مخيفة، نحو تفجير المساجد والحسينيات والكنائس وقتل الخصوم بتلذذ وجز الرؤوس بالسيوف وبوحشية الجاهلية.
أما ساسة الصدفة فقدروا حسابات الافول والسطوع بمعيار خسائرهم وفوائدهم الشخصية، دون الاهتمام بالانكسارات التي حلت بأهاليهم أو ستحل عليهم، وانتشرت بينهم حالات جدلية عقيمة، لايمكن تلخيصها بجمل وعبارات محدودة، ولكن يمكن القول: انهم أصبحوا اسبابا أساسية للفرقة والتناحر والكراهية والشعوذة والتضليل وتزييف الحقائق الدينية والوقائع الدنيوية والسياسية، وتأجيج الفتن المتنوعة.
في عهدي مختار العصر، تم استغلال السلطة والمال العام لمآرب أقل ما يقال عنها إنها كانت بعيدة عن القيم الانسانية والاسلامية والوطنية، ولتمزيق البلاد وإغراقها في بحر الصراعات الكارثية العبثية، وبدأ التخطيط لإعادة الخارطة السياسية للبلاد من خلال حكومة مركزية قوية على حساب الاقليم والمحافظات، وتعالت الاصوات التي تطالب بالاغلبية السياسية والبرلمانية والقومية والمذهبية، والتي جميعها تعني حكومة مالكية مطلقة يشارك فيها من يؤمن بفكر القائد الضرورة، ونضجت المعطيات لتلك الدعوات والافكار والطروحات وتوفرت لها الآليات اللازمة وتوفرت مقومات تنفيذها وحصل تعاون ودعم بهذا الاتجاه من قبل بعض الساسة السنة، والذين كان يطلق عليهم سنة المالكي، كما استمات البعض من أجل تمزيق الصفوف الكوردية، وجرى تهميش الكورد والسنة وإلصاق التهم الكيدية بكل الرافضين للمالكية، دون الاكتراث بالنتائج وآثارها القانونية والاقتصادية والاجتماعية...
قرار رفض الحكم المركزي كورديا وسنيا (في العهد الجديد) وشيعياً في العهود السابقة لم يأت من فراغ، ويعتبر المحللون والمتابعون للشأن السياسي العراقي الرضوخ للحكم الركزي من الصعاب بعيدة المنال، بل أمرا مستحيلاً، ولكن يؤيده فقط المؤمنين بسياسة المغانم والذين يبحثون عن السيطرة أو الانتقام..
أما شحة المياه الصالحة للشرب وانقطاع الكهرباء وتراكم النفايات وانتشار البطالة في غالبية مناطق العراق واستشراء السرقات والفساد في كافة مفاصل الحياة، فقد غيبت واقع المواطنة او الشعور بأهميتها لدى الفرد العراقي، وفقد النسيج الاجتماعي مقومات تجانسه تحت وطأة الفصل الطائفي أو العرقي أو المذهبي، ومازال يعيش حالة الفصل الحاد بين مكوناته، وهذا الفصل مهد للابتعاد عن الالتزام تجاه الآخرين، وتحمل المسؤوليات المشتركة وسهل مهمة المطالبة بالحقوق دون تأدية الواجبات، وإضمحلت على المستوى السياسي والاجتماعي كافة المعايير والمعطيات التي تغذي شروط بقاء البلد موحداً والحفاظ على اركان وحدة قسرية يكون الجميع فيها خاسرين..
وبما انه لا يمكن لأي طرف عراقي ان يقرر بمفرده فرض السياسة التي يبتغيها على البلاد، ولايمكن التوصل الى حل لنزاع القوى المشاركة في الصراع، نتيجة لخلط الاوراق وحرق وفقدان بعضها وحفظ بعضها الآخر لدى مخابرات اقليمية ودولية، وإستنادا الى طبيعة السياسات المسموح بها في المنطقة وفق الإستراتجيات الدولية القائمة وأطرافها المعنية بأهمية إبعاد العراق من فوهة البركان ونزع فتيل برميل البارود، ورغبة في تفادي الصراع والنزاع والحروب الكارثية، لابد من التفكير بشكل ومضمون إستراتيجية عقلانية جديدة تفرض واقعا مغايرا، وتمهد لتقسيم العراق الى ثلاث كونفدراليات أو دول متجاورة، تعترف ببعضها وتكون العلاقات بينها مبنية على أسس الاحترام المتبادل ورعاية المصالح المشتركة..
|