الاعلام التركي يعرض في وسائله المتعددة صور الضحايا من فلاحي القرى الكردية بفرح، يفوق ما ما قدمته من زهو عند فوز منتخبها بالمركز الثالث بكاس العالم عام 2002 اردوغان يكتسب صفةالرجل القوي، المحبوب، واحزاب المعارضة تعيب عليه، حسدا، وعلى حزبه الحاكم انه بهذه الصورة يحاول سرقة اصواتهم انتخابية.
وهنا لا اريد ان اعرض عدم اعتراض احزاب المعارضة هذه، على قتل ابناء القرى الحدودية في كردستان، لاسباب انسانية، فلم اكن اتوقع منهم ان يتحلوا بهذه المشاعر تجاه الفلاحين الكرد.. وانما يتملكني العجب من سرقة الاصوات الانتخابية عن طريق قتل الابرياء!
اذا صحت هذه الاشارة، فانها تعني ان قتل الفلاحين الكرد هو مطلب جماهيري في تركيا! تتسابق عليه الاحزاب المتنافسه في الانتخابات، وهذا يعني انها حالة مرضية لا تصاب بها الشعوب غالبا...
لنقارن حالة الشعب التركي مع الشعب الاسرائيلي، فحادثة القاء احد المتطرفين اليهود لقنبلة حارقة راح ضحيتها طفل فلسطيني واحد، خرجت مظاهرات جماهيرية في اسرائيل تندد بهذه الجريمة الوحشية، وقدم رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو اعتذارا رسميا بالنيابة عن الشعب الاسرائيلي لرئيس السلطة الوطنية الفلسطينية، محمود عباس.. وفوق هذا استنكرت وسائل الاعلام الاسرائيلية كلها الحادث ووصفته بالجريمة بحق الانسانية.
ولا يخفى ان نتنياهو هو الاخر يحاول ان يحصل على اصوات انتخابية، ويغازل شعبه بالمواضيع الاكثر سخونة في عملية الصراع على الكرسي مع منافسيه الاشداء...
لماذا اذا يحتاج الرئيس التركي لعرض جرائمه من اجل الحصول على شعبية جماهيرية، بينما يحتاج الرئيس الاسرائيلي للاعتذار عن مقتل طفل واحد ويندد بالجريمة من اجل الحفاظ على شعبيته؟
هل الثقافة الاجتماعية والموروث البدوي في تركيا هو السبب، خصوصا وان المدارس ماتزال تربي اطفالها هناك على التمجيد باشخاص لا يعرفهم التاريخ الا بكونهم ابرز رموز الجرائم بحق الانسانية، مثل جنكيزخان وهولاكو، وسلاطين الامبراطورية العثمانية الذين ارتكبوا واحدة من ابشع جرائم التاريخ بحق الارمن والكورد والعرب في القرون الماضية... وتفتخر بانجازات اتاتورك الذي حرق المدن اليونانية... بحجة ان هؤلاء الاشخاص هم اجداد الترك المعاصرين؟؟؟
مقابل ذلك فمدارس اسرائيل تعلم ابناءها بانهم احفاد الضحايا في اكبر المجازر البشرية، من السبي البابلي، الى الهولوكوست التي ارتكبتها النازية بحقهم قبيل الحرب العالمية الثانية؟
ام هل ان الدين الاسلامي هو الذي يربي الشعوب على العنف والتطرف، ويعتبر القتل هو سنة وتراث، بدليل كل هذا الاقبال على تنظيم داعش الارهابي، ودعمه من قبل اردوغان هو احد اسباب تحقيقه للاغلبية في الانتخابات الاخيرة.
مقابل ذلك فان الديانه اليهودية لا تحتفظ بذاكرتها لسجل جرائم معروفه لانبياء بني اسرائيل، بل ابرز ما في التاريخ اليهودي هو السبي والتهجير والاضطهاد الذي تعرضوا له في العراق، مصر، الحجاز.. الخ
ولاني احاول ان احتفض بموضوعية التساؤل وحياديته، فقد ارتأيت عدم التاثر بالاعلام، لا الشق المعادي منه لاسرائيل، والذي يصور اصغر حادثة تقع فيها على انها جريمة بحق الانسانية، وفي نفس الوقت يغض الطرف عن كل الجرائم التي ترتكب بحق الشعب السوري اليوم، سواء على يد نظام الاسد، ام النصرة، ام داعش، ولم تنتبه حتى الى تحويل ثاني اكبر مدينة فيها (حلب) الى اطلال، وهي من اكبر الجرائم التي ارتكتبت في هذا القرن...
ولا اتاثر ايضا بالاعلام المداهن لتركيا، خصوصا هذا الذي بدأ مع طوفان مسلسلات مهند ولميس، بحيث يغطي على جرائم بحق الانسانية ترتكبها انقرة، يمارس التعمية عليها، بل ويبرر ما يطفو الى السطح منها على اساس انها اجراءات مشروعة للدفاع عن النفس، تقوم بها الماكنة العسكرية الاطلسية، امام شعب اعزل...!
ولاني احاول ان احتفض بموضوعية التساؤل وحياديته، فلا يمكن ان اغض الطرف عن وجود متطرفين عنصريين في اسرائيل، هم رمز للجريمة، ولعل اقرب مثال لهم هو الرجل الذي القى القنبلة الحارقة... ولا اريد ان اغمط كذلك حقيقة وجود مجموعة من الكتاب والمثقفين الترك، الذين حاولوا نشر ثقافة السلم والانسانية، وناصروا حق الشعوب، بما فيهم الكرد، ولعل ابرز مثال هنا هو الكاتب اليساري التركي اسماعيل بشكجي، اذ انه احد اربعة هم مؤسسي حزب العمال الكردستاني نفسه!
الصحافة التركية، المرتبطة باحزابها، ادانت قتل الطفل الفلسطيني، رغم انها جريمة فرد نكرة لا يمثل بلده، ولكنها تبارك في الوقت ذاته جريمة قتل المئات من القرويين الكرد في محافظتي اربيل ودهوك، بما فيهم الاطفال، رغم انها جريمة دولة منظمة، تتم بتخطيط مسبق؟؟
لا اتهم، ولا ابرئ.. فقط اتساءل، وبحيادية، بعيدا عن التاثر بالاعلام، لماذا هذا الفرق في النظرة العنصرية، بين الشارع التركي، والشارع الاسرائيلي؟؟؟
|