العراق تايمز: وكالات .. مصطفى حبيب.
باتت الهجرة حلماً كبيراً يراود أذهان الشباب في العراق حتى وهم يسلكون طرقاً كثيرة غير شرعية للوصول إلى أوربا وينشرون تجاربهم التي مروا بها على مواقع التواصل الاجتماعي ليستفيد منها الراغبون في الهجرة.
عراقيون من ديالى يجلسون في خيمة بعد فقدانهم لعدد من افراد عائلتهم في صراعات مسلحة (الصورة: هاوار خالد ميتروغرافي) عراقيون من ديالى يجلسون في خيمة بعد فقدانهم لعدد من افراد عائلتهم في صراعات مسلحة (الصورة: هاوار خالد ميتروغرافي)
يشهد العراق منذ شهور موجة نزوح كبيرة للشباب، وازدادت في الأسابيع القليلة الماضية، حتى باتت طرق التهريب وأساليب إقناع الدول بقصصهم يتداولونها على مواقع التواصل الاجتماعي.
الأحاديث في المقاهي العامة باتت تزداد هي الأخرى حول الهجرة فهل فقد الشباب العراقي الأمل في مستقبل بلاده؟.
هجرة الشباب العراقيين إلى أوربا ليست جديدة وتعود إلى الحرب الطائفية التي شهدتها البلاد عام 2006، وقبلها إلى تسعينات القرن الماضي في زمن حكم الرئيس السابق صدام حسين بسبب حكمه الدكتاتوري، ولها جذور في الثمانينات والسبعينات أيضاً ولكن موجة الهجرة الأخيرة هي الأكبر بين الشباب.
الأوضاع الأمنية المتأزمة وغياب الوظائف وانعدام الخدمات كلها أسباب تساهم في تشجيع الشباب العراقي على الهجرة، ولكن في الآونة الأخيرة حتى أولئك الذين يعملون في وظائف جيدة ويعيشون في مدن مستقرة أمنياً باتوا يفكرون في الهجرة.
منذ أيام أصبح موضوع الهجرة هو الشغل الشاغل للعراقيين وخصوصاً فئة الشباب، وشهدت الأسابيع الماضية موجة هجرة واسعة إلى أوربا، ووصل الحال إلى وجود صفحات على مواقع التواصل الاجتماعي ومواقع ألكترونية تقوم بتعليم الشباب طريقة الهجرة غير الشرعية.
ويقول رافع الخفاجي وهو متخرج من كلية الإدارة والاقتصاد في جامعة بغداد منذ عام ونصف لـ "نقاش" إن "الحياة أصبحت لا تُطاق في العراق وكل مفاصل الحياة متعبة، وأصبح السكن فيه غير ممكن بسبب غياب الأمن والخدمات".
ويضيف رافع الذي يعمل في شركة تجارية في منطقة "العرصات" وسط بغداد "لقد اتخذت قراري بالهجرة إلى أوربا وأنا اعمل في هذه الشركة منذ تسعة أشهر لأجمع مبلغاً من المال يساعدني على دفع تكاليف الهجرة لأي دولة أوربية، الأهم هو أن أنجو بحياتي ولا يضيع عمري".
الأسبوع الماضي انتشر بين العراقيين بشكل واسع مقطع فيديو لشاب يدعى أريك من "هونغ كونغ" وهو في زيارة إلى بغداد، كان الشاب يقف على أحد جسور العاصمة وخلفه نهر دجلة.
أريك قال في المقطع مخاطباً العراقيين جئت إلى بغداد لأعرف حقيقة الأوضاع، أعرف انه لا يأتي الكثير من الناس إلى هنا والشائع إنهم يغادرون، ارجو منكم أن لا تغادروا بلادكم واعملوا سوية على بناء مدنكم فهذه الحرب ستنتهي ويجب أن تساعدوا بعضكم".
ولكن تعليقات العراقيين على مقطع الفيديو الذي انتشر على مواقع التواصل الاجتماعي تكشف بشكل واضح عن حالة اليأس التي تسيطر عليهم، بعضهم وصف كلام أريك بأنه "غير الواقعي" وآخرون قالوا أنهم يأسوا من الصبر والاحتمال بعد كل هذه السنوات وبعضهم أطلقوا نكاتاً على كلامه لأنه لم يعرف بغداد وأوضاعها بشكل جيد.
"انه أمر محزن حقاً، فالعراق يفقد شبابه بسهولة ويهاجرون إلى أوربا وأميركا وباقي دول العالم دون أن نستفيد من إمكانياتهم" يقول قيصر ابراهيم عضو منظمة مجتمع مدني لدعم الشباب العراقي.
قيصر أكد لـ "نقاش" إن "الأسابيع الماضية شهدت موجة نزوح كبيرة من الشباب إلى أوربا دون اكتراث الحكومة لهذا الأمر الخطير، وهي لا تمتلك حتى إحصائية عن أعداد المهاجرين في الخارج وتهتم فقط بالنازحين في الداخل بين المحافظات العراقية".
وعن أعداد الشباب المهاجرين إلى الخارج يقول قيصر إن "هناك صعوبة في إيجاد إحصائية لأن معظم الشباب يهاجرون بطرق غير مشروعة عبر شبكات تهريب مختصة مقابل مبالغ مالية طائلة".
ويضيف إن "معظم الشباب يفضلون حالياً الهجرة إلى أوربا بسبب النظام الاجتماعي الجيد فيها على عكس الولايات المتحدة وغيرها".
وتنتشر العشرات من الصفحات على مواقع التواصل الاجتماعي تتناول أخبار العراقيين المهاجرين وتتضمن طرق ونصائح للشباب الراغبين بالهجرة إلى أوربا، وبعضها توفر حتى أسماء مُهربين عبر تركيا، وهي أكثر الطرق شيوعاً للمهاجرين العراقيين.
كما يقوم شباب عراقيون بتصوير أنفسهم في مقاطع فيديو يتحدثون فيه عن كيفية خروجهم من العراق ووصولهم إلى أوربا وهي في الغاب طرق غير مشروعة، وهو ما يحفِّز شباب آخرين داخل العراق إلى تجربة الهجرة دون اكتراث بالعواقب.
ويروي أحد الشباب الذين وصلوا إلى ألمانيا قبل أسبوعين لـ "نقاش" وطلب الإشارة إلى اسمه فقط بأسم أمجد، عن طريقة هجرته ويقول "غالبية الشباب يغادرون إلى أوربا عبر تركيا وعند الوصول إلى تركيا تبدأ مهمة البحث عن مهربين للبشر".
ويضيف أمجد وهو موظف في وزارة الصحة قدم استقالته قبل الهجرة "قام المهرِّب بجمع العشرات من المهاجرين من العراق وسوريا ووضعنا في قارب مائي للعبور إلى اليونان، وهي أخطر مرحلة من الهجرة لأن القارب قد يغرق وسط البحر بين تركيا واليونان".
بعد الوصول إلى اليونان بسلام بدأت المرحلة الثانية من الهجرة براً من أثينا إلى مقدونيا وهنغاريا وصولاً إلى ألمانيا، وتعتبر ألمانيا أكثر الدول التي يختارها الشباب العراقيون كما يقول أمجد بسبب نظامها الاجتماعي الجيد واهتمامهم باستقبال اللاجئين.
وفي مقطع فيديو لشاب عراقي آخر انتشر أيضا على مواقع التواصل الاجتماعي يتحدث فيه كيف فشلت مهمته بالهجرة، وقال إن السلطات اليونانية اعتقلته واتصلت بالأجهزة الأمنية التركية وأخذوا بصمة أصابعه واحتجزوه لأيام قبل أن تتم أعادته إلى العراق بعدما خسر مبلغ مالي كبير أعطاه للمهرب الذي تخلى عنه بعد اعتقاله.
قبل سنوات كان الشباب العاطلون عن العمل والذين يتعرضون لتهديدات بالقتل هم وعائلاتهم أبرز الفئات التي تغادر البلاد، ولكن في المدة الأخيرة حتى الشباب الذين يمتلكون وظائف ويعيشون في مدن مستقرة أمنية جنوب البلاد يرغبون بالهجرة.
ويقول رائد الطائي من سكان مدينة البصرة جنوب العراق لـ "نقاش" إن "الشباب هذه الأيام يخافون من المستقبل أكثر من خوفهم على الحاضر، وهم يراقبون الأوضاع الأمنية وطريقة انتشار الميليشيات في الشوارع مع تصاعد الخلافات بين السياسيين بشكل مخيف".
رائد الذي يعمل موظفاً في جامعة البصرة يفكر أيضا بالهجرة ولكن ليس عبر التهريب، فهو يسعى للحصول على فيزا "الشنغن" للوصول إلى إحدى الدول الأوربية، ليقوم بتسليم نفسه كلاجئ ويقول انه تعرض للتهديد ولديه أدِّلة تثبت ذلك لإقناع الدولة التي ستستضيفه بقبوله كلاجئ.
فيزا "الشنغن" التي تصدر من الدول التابعة إلى الاتحاد الأوربي أصبحت هي الأخرى للبيع من قبل مكاتب سفر خاصة في بغداد، ويصل سعر هذه الفيزا إلى عشرين ألف دولار أميركي، بينما كان سعرها قبل سنوات عشرة آلاف دولار أميركي.
أما عن القصص التي يقدمها اللاجئون العراقيين إلى الدول الأوربية المستضيفة لهم فهي في الغالب كاذبة، وتقوم صفحات على مواقع التواصل الاجتماعي ومواقع على الانترنيت بتعليم الشباب كيفية صياغة القصص ونوعها لكي لا يتم رفض طلبات اللاجئين العراقيين عند وصولهم إلى أوربا.
وعلى سبيل المثال هناك قصص تتحدث "الاضطهاد الجنسي" والادعاء بأنهم مثليون جنسيون، أو التعرض لتهديد بالقتل من قبل جماعات مسلحة، أو قيام قوات أمنية تابعة للحكومة بتهديدهم وسجنهم وتعذيبهم لكونهم من مكوّن معين، وقصص كثيرة أخرى لا حصر لها.
اليوم يفكر الشباب العراقيون بالهجرة قبل التفكير في الحصول على وظيفة أو الزواج والعمل دون التفكير في إمكانية نجاحهم بالعيش في المجتمعات الأوربية، كما إن قصص أخرى عن شباب يعيشون في أوربا منذ سنوات تشير إلى فشلهم في الدراسة والاندماج في المجتمع وهم يعيشون على الإعانات الحكومية والسكن المجاني. نقاش
|