في إشارةٍ إلى عدمِ تغطية حجوم المياه المنتجة حالياً لأغراضِ الشرب حاجة الاستهلاك الفعلي لسكانِ مدينة بغداد، أعلنت وزارة البلديات والأشغال العامة مؤخراً عن مباشرتِها بتعزيزِ أسطول السيارات الحوضية المخصص لنقلِ الماء الصالح للشربِ إلى بعضِ مناطق العاصمة بغداد مثل المعامل والنهروان التي يعاني سكانها صعوبات بالغة التعقيد في مهمةِ الحصول على ما يكفي منها لقضاءِ الاحتياجات الضرورية. إذ وصل عدد السيارات الحوضية العاملة في هذه المناطق إلى ( 14 ) سيارة حوضية بعد إضافة دائرة ماء بغداد أربع سيارات لتعزيزِ هذه المهمة التي تسعى خلية الأزمة المشكلة في إدارةِ البلديات إلى محاولةِ تلافي نقص المياه في المناطقِ التي تقع خارج حدود أمانة بغداد، فضلاً عن عملِ الجهات المعنية على مدارِ الساعة بحسبِ هذه الإدارةِ إلى زيادةِ إطلاقات الماء الخام بالأنهرِ والقنوات، في ظلِ النقص الحاد بالمياه الذي يعانيه نهر دجلة خلال هذا العام.
على أبوابِ توديع أعوام النصف الأول من العقدِ الثاني للألفيةِ الثالثة، أطفالُ ونسوة ورجال في مناطقٍ أهم ما يميزها الفقر، فضلاً عن الحاجةِ إلى كثيرٍ من الخدمات، بالإضافةِ إلى أنَ بعضَها يعاني من كثافةِ سحب الدخان الناجم عن حرائقِ قمامة رصافة بغداد التي ترمى في محيطِها، يحملون ما متاح من الأواني وهم يدخلون بطريقةٍ يغيب عنها التنظيم، وتغلب عليها الفوضى في حلباتِ صراع وتدافع مريرين من أجلِ الحصول على مياهٍ منقولة بالسياراتِ الحوضية، ليضاف إلى المواطنِ العراقي هماً آخر، فضلاً عما يعكسه هذا الواقعِ من ملامحٍ لحقيقيةِ أزمة تتجدد مع اطلالةِ موسم كل صيف في أغلبِ مناطق بلد يطوف على بحيرةِ من النفط ويخترقه نهران عظيمان، لتضيف بعداً آخر لمشكلةِ الخدمات البلدية والاجتماعية.
إنَّ قدم شبكات توزيع المياه في هذه المناطق وما يماثلها من الأحياءِ البغدادية، ولاسَّيَما الشعبية منها الذي تسبب في اندثارِها، فضلاً عن تعرضِ كثير من أنابيبِها الناقلة إلى العطب، أدى لإحداثِ خلل بـ ( العدالة ) في عمليةِ توزيع المياه، حيث تواجه سكان هذه الاحياءِ صعوبات كبيرة بعمليةِ الحصولِ على المياه، في وقتٍ تصل فيه المياه إلى أحياءٍ أخرى بحجومٍ تزيد عن حاجةِ المستهلكين. وهو الأمر الذي ألزم الإدارات المعنية بتأمينِ مياه الشرب الركونَ إلى خيارِ لا يخلو من استغرابِ العارفين بضخامةِ ثروات العراق وتنوعها، حيث فرضت ظروف الفوضى الإدارية التي تسود عملية تخطيط هذه الإدارات اعتماد السيارات الحوضية في مهمةِ تجهيز المستهلكين بالمياه، ما يرجح احتمال تعرض المياه للتلوثِ جراء نقل المواطنين للمياه أو بفعلِ خزنها من قبلِ المستهلكين بأوعيةٍ تفتقر إلى متطلباتِ النظافة، وقد تكون المصادر المسحوبة منها المياه أو العجلة الناقلة لها غير آمنة. وضمن هذا السياقِ يمكن القول إنَّ من أخطرِ الأمراض التي تم تشخيصها في عددٍ من مناطقِ بغداد خلال الأعوام الماضية بحسبِ تسريبات المشافي الحكومية، هو مرض التهاب الكبد الفايروسي، الذي تعزى أحد أبرز عوامل بيئة انتشاره الواسعة إلى تلوثِ المياه، ما يعني ولادة معاناة جديدة من رحمِ أزمة نقص مياه الشرب.
إنَّ استمرارَ هذه الظاهرةِ مع هولِ ما أعلن من أرقامٍ لقيمةِ الأموال التي جرى صرفها في السنواتِ الماضية لتأهيلِ محطات إنتاج مياه الشرب القديمة، لأجلِ زيادة طاقاتها التصميمية والمتاحة ومعالجة بقية مرافقها، بالإضافةِ إلى إقامةِ مشروعات جديدة لإنتاجِ المياه الصالحة للشرب، فضلاً عن شبكاتِ توزيعها للمستهلكين في الأحياءِ السكنية، تعبر بشكلٍ جلي عن إخفاقِ أمانة بغداد وإدارة البلديات في تقليصِ حجم الهموم التي يعانيها المستهلكين في كثيرٍ من المناطقِ، مثلما هو حاصل بمشروعاتِ البنية الأساسية والخدمية في البلادِ التي ما يزال أغلبها غير مكتمل الإنجاز.
في أمانِ الله.
|