( هذا اكلان تبن) |
وهذه كناية عن التصرفات السيئة، ويروى عن ارشد العمري، وهو مهندس وافر الحيوية والنشاط، شغل امانة العاصمة ببغداد، وكان نظيف اليد، وانتقل من امانة العاصمة الى الوزارة، فرئاسة الوزارة، وكان شعره ابيض، وقد صبغه مرة واحدة في حياته، فظهر منظره بشعا، فترك ذلك، وقال: اني اكلت التبن مرتين في حياتي، المرة الاولى يوم وافقت ان اكون وزيراً، والمرة الثانية عندما صبغت شعري. في حين ان البعض في تجربتنا الحالية مابعد 2003 قد اكلوا التبن عدة مرات، فهم يتنقلون من وزارة الى اخرى، وهذه المرة سينتقلون الى التظاهرات، اي انهم في الوزارة من جهة ومن جهة اخرى مع المتظاهرين يعني كما يقول المثل: (رجله بالسبوس وعينه على المزبلهْ)، لايسمح لاي من هؤلاء بالتظاهر، فقط حيدر العبادي لانه اختار ان يكون مع الشعب، والمسألة الاخرى التي ادت بقيادات التظاهرة ان يأكلوا التبن، هو تخليهم عن التظاهر وانسحابهم تحت عدة اعذار، والسبب معروف ، فقد دخلت الحركات الاسلامية الى التظاهرة، وهم مع الحركات الاسلامية (حيّه وبطنج). لعل الكثير من التيارات المدنية يحاول عزل الحركات الاسلامية ومنعها من ابسط حقوقها وهو التظاهر، وهذا هو التهميش بعينه، والا ماذا نسمي انسحاب البعض بمجرد ان قررت هذه الحركات الدخول الى التظاهرة، وهذا لم يعرفه العر اق في تاريخ تظاهراته، اذ اننا قرأنا عن تظاهرات الشيوعيين التي كان يشترك بها رجال الدين كخطباء، وكان المعممون يملأونها، فما حدا مما بدا، لم يكن الدين في يوم ما عدوا لحرية الرأي الا بعد الانحرافات الكبيرة التي طرأت عليه، فصار دين قسر واجبار وقوة، وصار اي منا لايرحب باشتراكه بتظاهرة يتسيدها المتدينون او المنتمون للحركات الدينية، بعد ان صارت هذه الحركات قرينة للسلاح والنار والقوة، وهذا ما جفّل الكثيرين منها. من المؤكد ان التيار المدني اكثر عددا من المتدينين، ولكنه تيار منكمش قد اكل التبن للاسف وصمت، وترك الامور منذ 2003، وانشغل بامور اخرى لاتغني عن جوع ، ففقد تأثيره الكبير وصارت الانهزامية منهجه الدائم، لانه بمجرد ان يرى حركة دينية تدخل من النافذة حتى يخرج من الباب مسرعا، وهذا الامر جعلنا نصل الى ماوصلنا اليه، لم تكن الفاعلية كبيرة، ولم يكن الحضور مؤثرا فصارت الخسارة كبيرة، خسارة التيار الذي يعبر عن آلام الناس وآمالها على اختلاف مراحل الزمن، صوت الشعب الحقيقي الذي اسقط الكثير من الطغاة، لكنه للاسف ينسحب هذه المرة ليبكي ماوصلت اليه الامور مع اول جلسة في نادٍ اجتماعي. وانا اخشى اننا بعد هذه التظاهرات سنكون مثل ارشد العمري ونأكل التبن مرتين، مرة بتخلينا عن صدام وهروبنا امام الاميركان، والثانية حين قبلنا بهؤلاء السياسيين الذين يقول بريمر عنهم :ان اميركا جمعتهم من الطرقات، وربما سنأكل التبن مرة ثالثة بصمتنا وانهزامنا وخوفنا من المجهول، لم تكن التظاهرات في وقتها المناسب، الوطن بخطر كبير، وداعش تتهدده، ومع هذا نستطيع ان نعمل على جبهتين، الجبهة الحربية وجبهة العراق الداخلية، اذا فهمنا وجهة نظر الآخر واتفقنا معه على ستراتيجية حقيقية، حتى نضمن اننا لن نأكل التبن مرة اخرى حين نصبغ شعرنا الابيض ونتخلى عن تاريخ عريق من النضال والاندماج بالناس. |